كتاب مناهج التربية أسسها وتطبيقاتها

ومن الكون المغيب الملأ الأعلى، ومن عوالم الملأ الأعلى: سدرة المنتهى، والعرش، والكرسي، واللوح المحفوظ، والبيت المعمور.. وغيرها مما لا يعلمه إلا الله: {مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَأِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [ص: 69] .
"وأخيرا، فهو كون مسلم طائع لربه، مؤمن عابد لمولاه.. إنه كون ذو روح تعرف ربها الحق، فتستسلم له طائعة، وتسجد له خاشعة، وتسبح له عابدة، وتغار على جلاله، وتنتقض لمهابته، وتغضب للشرك به من بعض البشر الجهال"1.
{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الرعد: 15] .
{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: 44] .
واجب المنهج:
وهكذا تناول القرآن الكريم هذا الكون غير المرئي بإيجاز بليغ دون تعرض لحقائقه، وإن كان قد تعرض لبعض خواصه، فلم يذكر -مثلا- كيف خلق الله الملائكة، ولم يذكر شيئا عن أصل الروح، ولا عن هياكل الملأ الأعلى.
وواجب الباحثين أن يتأدبوا بأدب القرآن، وأن يقفوا عند حد ما جاء به، ولا يتركوا العقل يسبح فيها: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} [الإسراء: 36] .
إن القرآن لم يتناول هذا الجانب المغيب من الكون بالتفصيل؛ لأن القرآن جاء للفائدة، ولا فائدة تعود على البشر من الخوض في هذا العالم، وإننا نتخاطب بلغتنا، وبحسب ما نعرف، وما نفهم، واللغة عندنا لا تتناول إلا ما يقع في دائرة المتكلمين بها حسا ومعنى. فكيف تصور جوانب هذا العالم المغيب وتفصيلاته؟! إن الخوض في هذه النواحي لن يوصل إلى شيء سوى الفرقة والجدل.
وعلى مناهج التربية والتعليم أن توطد كل صلات الوحدة وعلاقات الترابط بين الكبار وبين مفردات الكون والحياة من حولهم، فالله الواحد الأحد الفرد الصمد، خلق الكون والإنسان والحياة في انسجام كامل، فالكون صديق للإنسان إذا عرف نواميسه عن طريق التعلم والمعرفة، وفي عناصر الكون ما يناسب استمرار الحياة ما شاء الله لها أن تستمر إذا عرف الإنسان ذلك، وتعلم كيف يكيف بيئته لتناسب هذه
__________
1 سيد قطب: مقومات التصور الإسلامي، مرجع سابق، ص348-349.

الصفحة 61