كتاب الأدب وفنونه - دراسة ونقد

كذلك أم لا، من أهدافها المثالية أن تحدث الرضا الفني، وذلك بالطريقة التي تقدم بها موضوعها"1.
المتعة والمنفعة في العمل الأدبي:
وهذه الخطوة في محاولة فهم ماهية الأدب لم تزد على أن أدخلت عنصرًا جديدًا في البحث هو عنصر "المتعة الفنية" التي يحدثها الأدب. وطبيعي أن هذا العنصر الجديد ليس جزءًا من طبيعة تكوين الأدب، بل هو أثر له، فالمتعة قد تحدث لشخص يتلقى عملا أدبيا ولا تحدث لشخص آخر يتلقى نفس هذا العمل, على أننا كذلك قد نجد المتعة في أشياء ليس لها بالأدب صلة.
والغريب أن فلسفة الجمال فيما يتعلق بالفن والأدب كانت في أغلب الأحيان تترك الأدب ذاته لتبحث في آثاره, ويمكن تلخيص هذه الفلسفة ببساطة في مقولتين قال بهما "هوراس"2 منذ أمد بعيد هما: المتعة والمنفعة. وقد كان تاريخ فلسفة الفن تسجيلا للمواقف التي تتوزعها هاتان المقولتان، فمن أديب ينتهي إلى أن الفن متعة، إلى مفكر يخلص إلى أن الفن منفعة, وبإزاء المتعة والمنفعة نجد اللعب والعمل، فالفن لعب في رأي، وهو عمل في رأي آخر. والمحاولة الثالثة، وهي المحاولة التي قام بها عصر النهضة في أوروبا، هي محاولة الجمع بين الخاصتين بحيث لا يمكن أن يقوم فن يوصف بوصف واحد من الوصفين، فالعمل الأدبي يقوم بالمهمتين، ويحدث الأثرين معًا، وبنجاح.
وقد قلنا: إن هناك أشياء تمتعنا وهي ليست من الأدب في شيء، وكذلك هناك أشياء نافعة ولا تمتّ إلى الأدب بصلة، فحتى هذان الأثران المعروفان للأدب ليسا إذن أثرين خاصين به. وهنا "ينبغي أن نأخذ بأن متعة الأدب ليست متعة مختارة من بين قائمة بالمتع الممكنة، ولكنها متعة أعلى؛ لأنها متعة لنشاط أرقى، أعني تأملا لا يهدف إلى حيازة شيء. أما المنفعة أو الجدية والتعليم في الأدب، فهي جدية ممتعة، أعني أنها ليست جدية الواجب الذي يجب أن يعمل، أو الدرس الذي يجب أن يحفظ، ولكنها جدية فنية، جدية إدراك حسي ... "3.
فإذا ما خصصنا نوعي المتعة والمنفعة اللذين يحدثهما الأدب ويؤثر بهما في التلقي، أمكننا أن نصل إلى الحديث عن الأدب ذاته، إذا ما تساءلنا عن سر المتعة والمنفعة في العمل الأدبي: لماذا كان الأدب ممتعًا ونافعًا؟
__________
1 William Henry Hudson: An Introduction to the study of literature. 2nd ed., p. 10.
2 Horace "65-8 ق. م" شاعر روماني تدور قصائده حول محور الحب والصداقة والفلسفة.
3 Weliek & Warren: Theory of Literature, p. 21.

الصفحة 12