كتاب أسرار ترتيب القرآن

سورة تبت:
قال الإمام: وجه اتصالها بما قبلها: أنه لما قال: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} "الكافرون: 6"، فكأنه قيل: إلهي، وما جزائي؟ فقال الله له: النصر والفتح، فقال: وما جزاء عمي الذي دعاني إلى عبادة الأصنام؟ فقال: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} "1" الآيات.
وقدم الوعد على الوعيد ليكون النصر معللًا1 بقوله: {وَلِيَ دِينِ} ، ويكون الوعيد راجعًا إلى قوله: {لَكُمْ دِينُكُمْ} على حد قوله: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ} "آل عمران: 106".
قال: فتأمل في هذه المجانسة الحافلة2 بين هذه السور، مع أن سورة النصر من أواخر ما نزل بالمدينة3، والكافرون وتبت من أوائل ما نزل بمكة4؛ ليعلم أن ترتيب هذه السور من الله، وبأمره.
قال: ووجه آخر؛ وهو: أنه لما قال: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} "الكافرون: 6" كأنه قيل: يا إلهي، ما جزاء المطيع؟ قال: حصول النصر والفتح، فقيل: وما ثواب العاصي؟ قال: الخسارة في الدنيا، والعقاب في العقبى، كما دلت عليه سورة تبت5.
__________
1 في "ظ": "متصلًا".
2 في "ظ": الحاصلة".
3 أخرجه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما "8/ 242، 243"، وفيها أنها آخر سورة نزلت.
4 انظر: "الإتقان" "1/ 96".
5 انظر: "مفاتيح الغيب" للرازي "8/ 744" وما بعدها، وكذا "نظم الدرر" "8/ 567" وما بعدها.

الصفحة 171