كتاب أسرار ترتيب القرآن

ولهذا كثر فيها لفظ الإكمال والإتمام، وذكر فيها: أن من ارتد عوض الله بخير منه، ولا يزال هذا الدين كاملًا؛ ولهذا ورد أنها آخر ما نزل1 لما فيها من إرشادات الختم والتمام. وهذا الترتيب بين هذه السور الأربع المدنيات من أحسن الترتيب2. انتهى.
وقال بعضهم: افتتحت البقرة بقوله: {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} فإنه إشارة إلى الصراط المستقيم في قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} كأنهم3 لما سألوا الهداية إلى الصراط المستقيم، قيل لهم: ذلك الصراط الذي سألتم4 الهداية إليه، كما أخرج بن جرير وغيره من حديث علي -رضي الله عنه- مرفوعًا: "الصراط المستقيم كتاب الله"5 "وأخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن مسعود موقوفًا"6.
وهذا معنى حسن يظهر فيه سر ارتباط البقرة بالفاتحة7.
وقال الخويي8: أوائل هذه السورة مناسبة لأواخر سورة الفاتحة؛ لأن الله تعالى لما ذكر أن الحامدين طلبوا الهدى، قال: قد أعطيتكم ما طلبتم: هذا الكتاب هدى لكم فاتبعوه، وقد اهتديتم إلى الصراط المستقيم المطلوب المسئول.
__________
1 أخرجه الحاكم في المستدرك عن عائشة -رضي الله عنها- "2/ 311" وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، والإمام أحمد في المسند عن معاوية بن صالح عن عائشة -رضي الله عنها- "6/ 188". انظر: البرهان "1/ 262".
2 البرهان في علوم القرآن، للزركشي "1/ 261، 262".
3 في المطبوعة: "فإنهم"، والمثبت من "ظ".
4 في المطبوعة: "سألتهم" تحريف، والمثبت من "ظ".
5 أخرجه ابن جرير عن علي من حديث حمزة الزيات، جامع البيان "1/ 173".
6 المستدرك "4/ 83".
7 انظر: البرهان في علوم القرآن "1/ 38" والنص له.
8 هو أحمد بن خليل بن سعادة بن جعفر أبو العباس، ونسبته إلى خوي مدينة بأذربيجان، توفي بدمشق عام 627هـ. انظر: عيون الأنباء "2/ 171"، شذرات الذهب "3/ 25".

الصفحة 55