كتاب أسرار ترتيب القرآن

وأمر آخر استقرأته؛ وهو: أنه إذا وردت سورتان بينهما تلازم واتحاد، فإن السورة الثانية تكون خاتمتها مناسبة لفاتحة الأولى للدلالة على الاتحاد. وفي السورة المستقلة عما بعدها يكون آخر السورة نفسها مناسب لأولها، وآخر آل عمران مناسب لأول البقرة؛ فإنها افتتحت بذكر المتقين، وأنهم المفلحون، وختمت آل عمران بقوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} "200".
وافتتحت البقرة بقوله: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} "البقرة: 4"، وختمت آل عمران بقوله: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ} "199"، فلله الحمد على ما ألهم.
وقد ورد أنه لما نزلت: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} "البقرة: 245"، قالت1 اليهود: يا محمد، افتقر ربك، فسأل عباده القرض2، فنزل قوله: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} "181"3 4، فذلك أيضًا من تلازم السورتين.
ووقع في البقرة حكاية عن إبراهيم: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ} "البقرة: 129" الآية، ونزل في هذه: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ} "164"، وذلك أيضًا من تلازم السورتين.
__________
1 في المطبوعة: "قال"، والمثبت من "ظ".
2 في المطبوعة: "القرض عبادة" من "ظ".
3 في المطبوعة: "تقدمت وجوه"؛ بل تقدم وجه واحد ذكره المصنف، ويؤيد المثبت كذلك نسخة "ظ".
4 أخرجه ابن جرير في التفسير "7/ 442"، وعزاه إلى ابن أبي حاتم وابن مردويه.

الصفحة 68