كتاب دلائل النبوة لإسماعيل لأصبهاني

بِهِ مَنْ أَطَاعَهُمْ فَانْصَفَقَ عَنْهُ عَامَّةُ النَّاسِ إِلَّا مَنْ حَفِظَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُمْ وَهُمْ قَلِيلٌ فَمَكَثَ بِذَلِكَ مَا قَدَّرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَمْكُثَ ثُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا ائْتَمَرَتْ بَيْنَهُمْ وَاشْتَدَّ مَكْرُهُمْ وَهَمُّوا بِقَتْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ إِخْرَاجِهِ حِينَ رَأَوْا أَصْحَابَهُ يَزْدَادُونَ وَيَكْثُرُونَ فَعَرَضُوا عَلَى قَوْمِهِ أَنْ يُعْطُوهُمْ دِيَتَهُ وَيَقْتُلُونَهُ فَحَمِيَ قَوْمُهُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَتْ لَهُمْ قُرَيْشٌ إِنْ كَانَ إِنَّمَا بِكُمُ الْحَمِيَّةُ مِنْ أَنْ تَقْتُلَهُ قُرَيْشٌ فَنَحْنُ نُعْطِيكُمُ الدِّيَةَ وَيَقْتُلُهُ رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَدْ أَفْسَدَ أَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَكُمْ وَعَبِيدَكُمْ فَيَأْبَى قَوْمُهُ ذَلِكَ فَمَنَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَفَعَ كَيْدَ مَنْ كَادَهُ فَقَالَتْ قُرَيْشٌ اقْتُلُوا مُحَمَّدًا بِزَحْمَةٍ وَاجْتَمَعَ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ كُلِّهَا نَفَرٌ فَأَحَاطُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَتَّى كَادَتْ أَيْدِيهِمْ أَنْ تُحِيطَ بِهِ أَوْ تَلْتَقِيَ عَلَيْهِ فَصَاحَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ من ربكُم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهُمْ يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنِّي بُعِثْتُ إِلَيْهِمْ بِالذَّبْحِ فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا مَا كَذَبَنَا بِشَيْءٍ قَطُّ وَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ مَهْلًا يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا كُنْتَ جَهُولًا فَتَفَرَّقُوا عَنْهُ وَاشْتَدُّوا عَلَى مَنِ اتَّبَعَهُ عَلَى دِينِ اللَّهِ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ فَكَانَتْ فِتْنَةٌ شَدِيدَةٌ وَزِلْزَالٌ شَدِيدٌ فَمِنْهُمْ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنِ افْتُتِنَ فَلَمَّا فعل ذَاك بِالْمُسْلِمِينَ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَخَلَ فِي الشّعب مَعَ بني عبد المطلب الْخُرُوجَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَكَانَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مَلِكٌ يُقَالُ لَهُ النَّجَاشِيُّ لَا يُظْلَمُ أَحَدٌ بِأَرْضِهِ وَكَانَ يُثْنِي عَلَيْهِ وَكَانَ أَرْضُ الْحَبَشَةِ مَتْجَرًا لِقُرَيْشٍ وَمَسْكَنًا لِتُجَّارِهِمْ يَجِدُونَ فِيهَا رَفَقًا مِنَ الرِّزْقِ وَأَمَانًا وَمَتْجَرًا حَسَنًا فَلَمَّا أَمَرَهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم انْطلق إِلَيْهَا عَامَّتُهُمْ حِينَ قُهِرُوا وَتَخَوَّفُوا الْفِتْنَةَ وَخَرَجَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي رَهْطٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِرَارًا بِدِينِهِمْ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ عَمْرَو بْنَ العَاصِ وَعُمَارَةَ بْنَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَأَمَرَهُمَا أَنْ يُسْرِعَا السَّيْرَ فَفَعَلَا وَأَهْدُوا لِلنَّجَاشِيِّ فَرَسًا وَجِبَّةَ دِيبَاجٍ وَأَهْدُوا لِعُظَمَاءِ الْحَبَشَةِ هَدَايَا فَلَمَّا قَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ قَبِلَ هَدَايَاهُمْ وَأَجْلَسَ عَمْرَو بْنَ العَاصِ عَلَى سَرِيرِهِ فَقَالَ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي خَرَجَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَأَفْسَدَ فِينَا قَدْ تَنَاوَلَكَ لِيُفْسِدَ عَلَيْكَ دِينَكَ وَمِلَّتَكَ وَنَحْنُ نَاصِحُونَ لَكَ وَأَنْتَ لَنَا عَامَّةً صَاحِبُ صِدْقٍ تَأْتِي إِلَى عَشِيرَتِنَا الْمَعْرُوفَ وَيَأْمَنُ تَاجِرُنَا عِنْدَكَ فَبَعَثَنَا قَوْمُنَا إِلَيْكَ لِنُنْذِرَكَ فَسَادَ أُمَّتِكَ وَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ الرَّجُلِ قَادِمُونَ عَلَيْكَ فَادْفَعْهُمْ إِلَيْنَا فَقَالَ عُظَمَاءُ الْحَبَشَةِ أَجَلْ فَادْفَعْهُمْ إِلَيْهِ فَقَالَ النَّجَاشِيُّ وَاللَّهِ

الصفحة 103