كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

على مبارك مستعينًا بأمثال رفاعة الطهطاوي، وكانت سياسة إسماعيل ترمي إلى التحرر من سيطرة الخليفة التركي بالآستانة، فطفق يعمل على توهين الصلات بينه وبين تركيا، وكلف عبد الله فكري تعريب دواوين الحكومية ونقل كل اللوائح التركية إلى العربية، فنهض بهذه المهمة على أكمل وجه.
أعيدت في عهد إسماعيل المدارس التي أغلقت في عهد عباس، وتوسع علي مبارك في فتح المدارس الثانوية، والعالية، والابتدائية، وفي عهده أنشئت دار العلوم لتكون حلقة وسطى بين التعليم الأزهري الذي أبى أن يساير النهضة، وبين المدارس المدنية الجديدة، ولتنهض باللغة العربية، كما أنشئت دار الكتب لتيسر سبل الإطلاع للراغبين في العلم والتأليف، وزاد الاهتمام بالترجمة، وانشترت الصحافة في عهد إسماعيل، وقد شجع كثيرًا من المسيحيين السوريين، واللبنانيين على الإقامة بمصر حينما لجأوا إليها هربًا بحريتهم، وعقيدتهم من جو التعصب الذميم الذي كان يختم على بلاد الشام، وأدى إلى مذابح سنة 1860، وقد أسهم هؤلاء في نهضة الصحافة، وأطلق إسماعيل لهم الحرية؛ ليتهجموا على تركيا ما شاء لهم التهجم لما عانوه على يد ولاتها من اضطهاد في ديارهم، وكان ذلك مما يروق لإسماعيل؛ لأنه كان يعمل على الانفصال عن تركيا، وقامت الصحافة بمهمة جليلة في نهضة اللغة والأدب، وطوعت العربية للفكر الحديث، والأغراض الجديدة كما سنرى فيما بعد إن شاء الله.
ووجد في عهد إسماعيل كذلك ميل شديد إلى إحياء تراثنا القديم، وتيسير الاطلاع عليه، فألفت لذلك الجمعيات المختلفة منها: جمعية المعارف التي انضم إليها نحو ستين وستمائة شخص من ذوي النفوذ، والثقافة بمصر، ومن الكتب القديمة التي نشرتها: أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير في خمسة مجلدات، وتاج العروس، وتاريخ ابن الوردي، وشرح التنوير على سقط الزند، وديوان ابن خفاجة الأندلسي، وديوان ابن المعتز، والبيان والتبيين للجاحظ، ورسائل بديع الزمان الهمذاني، وغيرها من الكتب القيمة، وأنشأ رفاعة الطهطاوي

الصفحة 10