كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

ونلاحظ ما تخلل هذه الرسائل من الجمل الاعتراضية، والدعائية كما كان يفعل أرباب الرسائل في مدرسة ابن العميد، وإن كان أحيانًا يقلد بعض كتاب الدولة الأيوبية كالقاضي الفاضل، فتطول جمله قليلًا، ولكن الأعم الأغلب في رسائله طريقة ابن العميد، وقد يضمن الرسالة بعض الوصف الفني كقوله يصف حديقة: "ثم خرجت إلى حجرات خالية، أعدت فيها فرش عالية، وأدوات غالية، وسطعت بها روائح الطيب، والغالية، وقد أكملت وجود تحسينها، وأتمت أسباب تزيينها، وهي على حديقة ذات أفنان، وأنواع من الزهور وألوان، وثمرات حسانن وقد فاح الطيب من محاجر أزهارها، وصالح الخطيب العندليب على منابر أشجارها.
رياض كديباج الخدود نواضر ... وماء كسلسال الرضاب برود
فجعلت أجيل فيها النظر، وأتأمل محاسن الروض غب المطر، وأطالع ما رقمه الطل في صحائف الغدران، وأرى خواتم الزهر حين تسقط من أنامل الأغصان.
من قبل أن ترشف شمس الضحى ... ريق الغواني من ثغور الأقاح
ويذكرنا هذا الوصف ببعض كتابات ابن زيدون، ولسان الدين بن الخطيب، ومن رسائله الوصفية قوله وهو بالآستانة يصف يومًا اشتد برده وغزر مطره، وكثف ضبابه، واسود إهابه فقال:
"كتبت إليك والأمطار ساجمة بطلبها ووبلها، وعساكر البرد والبرد هاجمة بخيلها ورجلها، والسماء متلفعة بأذيال السحاب، وكأن الشمس خافت من الطل فتوارت بالحجاب، والجو مسكي الرداء، عنبري الأرجاء، وكأنه وعليه ثوب الغيم مزرور، وقد وجل من صولة البرد فلبس فروة السمور، وأناخ الغمام على الأفق بكلاكله، وهز من البقر بيض مناصله، ونشر في الجو طرائق مطارفه، وجاد على الأرض بتليده وطارفه، وثقل على كاهل الهواء كالطير بل جناحه بالماء، وقرب حتى كاد يمسك باليدين ويعتصر بالراحتين، أو كأنه مرآة مذهبة تبدو

الصفحة 101