كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

الغضبة، قد أخذ الأهبة، واستجمع كالأسد للوثبة، وتلاقى بحرًا جنت جواريه، ونزت بالبشر نوازيه، وتمثلت بكل سبيل عواديه، مملوءًا ببغتات الماء، مترعًا بفجاءات السماء، ومن نون ينسف الدوارع، أو طير يقذف البيض مصارع.
فقلت: سيرى عوذتك بوديعة التابوت، وبصاحب الحوت، وبالحي الذي لا يموت وأسري يا ابنة اليم زمامك الروح، وربانك نوح، فكم عليك من منكوب ومجروح.
إن للنفي لروعة، وإن للنأي للوعة، وقد جرت أحكام القضاء بأن نعبر هذا الماء حين الشر مضطرم، واليأس محتدم والعدو منتقم، والخصم محتكم وحين الشامت جذلان مبتسم، يهزأ بالدمع وإن لم ينسجم.
ثم يقول: ماذا تهمسان؟ كأني بكما تقولان: أي شيء بدا له، على هذه الضاحية! وماذا شجا خياله، من هذه الناحية، وأي حس أو طيب لملح يتصبب في كثيب؟ ماء عكر في رمل كدر، قناة حمئة كأنها قناة صدئة، بل كأنها وعبريها رمال، بعضها متماسك، وبعضها منهال، وكأن راكب البحر مصحر، وكأن صاحب البر مبحر.
رويدكما! ليس الكتاب بزينة جلده، وليس السيف بحلية غمده تلك التنائف، من تاريخكم صحائف، وهذه القفار كتب منه وأسفار، وهذا المجاز هو حقيقة السيادة، ووثيقة الشقاء أو السعادة، خيط الرقبة من اغتصبه اختص بالغلبة، ووقف الأعقاب عقبة، ولو سكت لنطقت العبر، وابن العيان وأين الخبر؟
انظرا لتريا على العبرين عبرة الأيام، حصون وخيام، وجنود قعود وقيام، جيش غيرنا فرسانه وقواده، ونحن بعرانه وعلينا أزواده، ديك على غير جداره خلا له الجو فصاح، وكلب في غير داره، انفرد وراء الدار بالنياح.
القناة! وما أدراكما ما القناة، حظ البلاد الأغبر من التقاء الأبيض والأحمر، بيد أنها أحلام الأول، وأماني الممالك والدول، الفراعنة حاولوها، والبطالسة زاولوها، والقياصرة تناولوها، والعرب لأمر ما تجاهلوها ... إلخ".

الصفحة 125