كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

الباشا "مغضبًا": ما أراك أيها الكاتب إلا أن بعقلك دخلًا فمتى كان للبيوت أرقام تعرف بها وهل هي "إفادات أحكام"، أو"عساكر نظام"؟ والأولى أن تناولني رداءك أستتر به، وتصاحبني حتى أصل إلى بيتي".
فعلى عيسى بن هشام هذا وسارا معًا، ثم تذكر الباشا أنه لا بد لدخول القاهرة من معرفة كلمة سر الليل، وبين له عيسى بن هشام أنه لا داعي إلى هذا فقد وضح النهار، ولكن الباشا لم يصل إلى بيته أبدًا، فقد اعترضته من الأحداث ما جعلته يقضي ليله في مركز الشرطة، إذ كان يلوح بيده فظن مكاري أنه يدعوه، وراءهما طويلًا ثم طالبهما بالأجرة، وتعجب الباشا من قحته ومن صبر عيسى بن هشام معه فيقول:
- إني لأعجب من صبرك على هذا الفلاح السفيه، الذي استرسل معنا في سفاهته، ووقاحته فهلم فاضربه بالنيابة عني حتى تريحه من عيشه وتريحنا منه.
عيسى بن هشام: كيف يكون ذلك، وأين القانون، وأين الحكام؟
ولكن الباشا لا يفهم إلا شيئًا واحدًا، وهو أنه تركي ومن رجال الحكم، وأن الفلاح لا يصلح إلا بالضرب أو القتل، فإذا هم عيسى بن هشام أن يمنح الرجل بعض المال حتى يسكته، وينصرف قال له الباشا:
"لا تعط هذا الكلب النابح درهمًا واحدًا، وقد أمرتك أن تضربه، فإن لم تفعل، فأنا أتنزل إلى ضربه وتأديبه، والفلاح لا يصلح جلده إلا بجلده.
وفعلًا أخذ الباشا يضرب المكاري، وهو يستغيث بالشرطي وينادي "يا بوليس، يا بوليس"، وبعد أن فرغ من ضربه أخذ يستفسر عن البوليس هذا، وهل هو ولي جديد من أولياء الله الصالحين يستغيث به هذا المسكين.
فقال له عيسى بن هشام: نعم إن هذا "البوليس" هو ولي الأمر احتلت فيه القوة الحاكمة.
الباشا: لست أفقه هذا المعنى، فأوضح لي حقيقة البوليس، فأخبره عيسى أنه "القواس" الذي يعرفه، فسأل الباشا عنه حتى يناديه ليحضر، ويعاقب هذا الذي تطاول على المقام الرفيع، فيشير إليه عيسى بأنه هذا الرجل المشغول ببائع لفاكهة

الصفحة 135