كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

عليك أهل الحسد، أي فلان إذا ألقى عصاه ذلك المسافر، وغادر بحر العلم أرض الجزائر، فقد بطل السحر والساحر، فانكفئ إلى كسر دارك، وبالغ في كتم أسرارك، وأقبل غدًا مع الليل، وترقب طلوع سهيل، ومتى سمعت من قبلنا التسبيح، فقل لصاحبك الذي يليك: هلم بنا إلى سطيح".
ثم انقطع صوته فلبثت في مكاني حتى استوحشت لوحدتي وانفرادي في جوف ذلك الليل فرجعت أدراجي، وكنت لقيته في ذهول من عقلي، ودهشة من أمري، ولما ثاب إلى السكون جعلت أتأمل في عباراته، وأتروى في مغزى سجعاته، وقلت في نفسي: لقد كنت أعلم أن سطيحًا قد قضى نحبه ولقى ربه، فهل صدق القائلون بالرجعة أم جعل الله لكل زمن سطيحًا! على أني في غد سألقاه، وأطلب إليه أن أراه، وأسأله عن أشياء كتمتها في صدري، وكادت تدخل معي قبري.
ثم يروي حافظ كيف وصل إلى داره قبيل الفجر، وأنه كان يستأنس في وحدته بلزومات أبيا لعلاء المعري الذي يمثل في نفسه مكانة لا تدانيها مكانة، وأخذ بعد ذلك يقص علينا لياليه مع سطيح على شاطئ النيل، وكيف كان يجد في كل ليلة قبل ظهور سطيح إنسانًا تجالسًا يتجاوب معه الحديث إلى أن يحين موعد ظهور سطيح، فيخبره خبره، ويذهبان معًا إليه، وهو في أثناء قصته هذه يبدي ملحوظات انتقاديه سريعة على بعض العادات القبيحة في المجتمع المصري دون تعمق في معرفة الأسباب، أو تشخيص الداء بحيث يسهل وصف الدواء.
فهو مثلًا ينعي على بعض المصريين ما يقومون به في عيد شم النسيم، وكان الذي يجلس بجواره في الليلة الثانية "قاسم أمين"، وإن لم يصرح باسمه، فاستهجن هذا الاختلاط المبتذل، وقال يحدث نفسه وحافظ يسمعه: ألا يأتي أولئك الموكلون بالرد على أهل الصواب، فينظروا ما صنع أهل النعيم في شم النسيم، ويروا كيف ابتذلت فيه الخدور، ونفقت سوف الفحش والفجور، فلقد فعلوا تحت الحجاب ما ينكس له الأدب رأسه، ودعوناهم إلى غير ذلك فأبوا علينا الطلب وأنكروا الدعوة، وقالوا: إن تربية النساء ما لا تحمد معه المغبة ... إلخ".

الصفحة 146