كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

وفي تلك الليلة قال سطيح لصاحب حافظ هذا: "صاحب مذهب جديد ورأي سديد، دعا القوم إلى رفع الحجاب وطالبهم بالبحث في الأسباب، فألقوا معه نقاب الحياء، وتنقبوا من دونه بالبذاء، أي فلان إذا مضت على كتابك خمسون حجة، وظهر لذي عينين إدلاؤك بالحجة، تكفل مستقبل الزمان بإقامة الدليل والبرهان، فلعل الذي سخر لجماعة الرقيق والخصيان من أنقذهم من يد الذل والهوان يسخر لتلك السجين الشرقية، والأسيرة المصرية، من يصدع قيد أسرها، ويعمل على إصلاح أمرها".
وقد استعرض حافظ في كتابه هذا كثيرًا من المشكلات السياسية والاجتماعية في عصره، ولكنه كان يمر عليها مرورًا سريعًا دون أن يقف ليشفي الغلة ويكشف عن العلة، تعرض لمشكلة السوريين في مصر، تلك التي كانت موضعًا للجدل الصحافي حقبة من الزمن، وترى حافظًا لا يغمطهم حقهم بل يعترف بفضلهم في نشر العربية وفي خدمة الصحافة، ويعترف كذلك بما قدمته مصر لهم من فرص عزت عليهم في ديارهم، وقد أجرى على لسان سطيح حين سأله جليس حافظ السوري عما يأخذه علي بني وطنه، فقال: "إنني لا أكذب الله، لقد أكثر من التداخل في شئونهم، فعز ذلك عليهم من أقرب الناس إليهم، نزلتهم بلادهم فنزلتم رحبًا، وتفيأتم ظلالهم فأصبتم خطبأ، ثم فتحتم أبواب الصحافة فقالوا: أهلا، وحللتم معهم في دور التجارة فقالوا: مهلًا، لو أنكم وقفتم عند هذا الحد لرأيتم منهم ودا صحيحًا وإخلاصًا صريحًا، ولكنكم تخطيتم ذلك إلى المناصب فسددتم طريق الناشئين، وضيقتم نطاق الاستخدام على الطالبين، وأنتم تعلمون أن المصري يعبد خدمة الحكومة فهو يصرف إليها همه، ويقف عليها علمه، فهي إن فاتته فاته الأمل وفتر نشاطه عن السعي والعمل، حببت إليكم الحركة، وحبب إليهم السكون، وجبلتم على الجد، وجبلوا على المجون، فاصرفوا أنفسكم عن مزاحمتهم في أعز الأشياء عليهم حتى تخلق الحاجة في نفوسهم شعورًا جديدًا، فيحس ناشئهم أنه إنما يتعلم لنفسه، ولأمته لا لخدمة حكومته".

الصفحة 147