كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

ويقول الثاني: إن كل السعادة في الوصاية على اليتيم وفي النظارة على وقف حبس على العظم الرميم، يأكل الأول ما شاء ولا محاسبة، ويلتهم الثاني ما أراد ولا مراقبة، ثم يسأل صاحبه: أتعرف السعيدة من الناس كما عرفت السعيد من الرجال: قال السعيدة من النساء من سهلت لها الأقدار، فأصبحت تدعى شيخة الزار فهي تملأ يديها ذهبًا، وبيتها نشبًا ... إلخ.
ويتهكم بعد ذلك بالصحافة والصحفيين، وينعي على الشرق تقليده للغربي، ويتكلم عن الحرية وكيف أساء الناس فهمها حتى زعموا أن تعريفها الشافي: "هو أن يعمل المرء ما شاء أن يعمل، ويرى من رأي ما شاء أن يرى، وأن سبيله في ذلك أن يستطرد به جواد الإرادة المطلقة في ميدان الشهوات لا يبالي داس به آداب ذلك المجتمع الإنساني، أم تخطئ أعناق الفضائل".
ويستطرد حافظ إلى النقد الأدبي في عهده، وقد قابل شاعرًا من الشعراء "وقد عنى نفسه"، فأسمعه شعره فقال له: "أسمعتني الليلة كلامًا لو نحله ابن أوس ما شك سامعه في أنه من مختاراته، فما لك تكتم الناس مثل هذا الشعر السري، ولو أنك أذعته لفضضت به من كثير من أولئك الذين باتت تطن الصحف بذكرهم، قال: ليس من أمري المديح، ولا سبيل إلى إذاعته في تلك الصحف إذا أنا لم أسلك به تلك الطريق، قلت: فإن أعياك الأمر فمالك لا تجمعه في ديوان، ثم تخرج للناس كما يفعل الشعراء ممن هم دونك في منازل الأدب ومراتب القريض. قال: يكون ذلك حقيقيًا بي لو أن من يقرأ الأثر في مصر يقرأه لذاته لا لذات صاحبه، ونحن بحمد الله في بلد لا تنفق فيه سلعة الأديب ما لم يكن صاحبها حظيظًا عند تلك الصحف، حتى إذا ظهر أثره في الناس قامت تقرظه بصنوف المديح والإطراء، وتنزل نفسها في الدعوة إلى كتابة منزلة أولئك المبشرين في الدعوة إلى دينهم، ويسوقه الحديث إلى محاباة الصحف لشوقي، وهو لا يرى في شعره شيئًا يستحق المحاباة اللهم إلا ما يتباصر به علينا من تلك المعاني الغريبة التي ما سكنت في مغنى عربي إلا ذهبت بروائه".

الصفحة 149