كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

صيتها حتى يعم توزيعها في معظم البلاد الإسلامية، ويصدر حزب الأمة "الجريدة"، ويحررها لطفي السيد ويجند لها الأقلام المستنيرة.
وكان حزب الأمة متأثرًا بطريقة الشيخ محمد عبده في الإصلاح، حيث كان يبغي تهيئة الأمة عقليًا، ونفسيًا، واجتماعيًا للاستقلال، حتى إذا نالته استطاعت المحافظة عليه، ولم يكن تأثرا ثورة مصطفى كامل في مناوأته للإنجليز.
وكان من مساوئ الاحتلال إلغاء البعثات إلى الخارج، وسيطرة المستشار الإسكتلندي القسيس المتعصب "دانلوب" على شئون التعليم في مصر حقبة من الزمن، حاول فيها أن يقصر مهمته على تخريج موظفين محدودي الثقافة للعمل في الحكومة، تنقصهم سعة الأفق، وحرية التصرف، والقدرة على الابتكارن كما أنهم اهتموا بالتعليم الأولي دون التعليم العالي، وحاربوا اللغة العربية حربًا لا هوادة فيها، ودعوا مع لفيف من الأقلام المأجورة للغة العامية، وفطن المصريون إلى كل هذا، فأسس الحزب الوطني مدارس الشعب لتناهض مدارس الحكومة التي تسيطر عليها اللغة الإنجليزية، ودعا في سنة 1905 إلى تأسيس جامعة مصرية، ووجدت دعوته صدى في النفوس، وتم إنشاء الجامعة في سنة 1908، فكانت فتحًا جديدًا في عالم الثقافة والفكر واللغة، واستقدم لها عدد كبير من مشهوري المستشرقين من أمثال نالينو وجويدي الكبير وجويدي الصغير وغيرهم.
وكان من الطبيعي في عصر الاحتلال أن ينشأ جيل من المصريين يحذق الإنجليزية ويتأثر بالأدب الإنجليزي، وقد عرفنا أن اللغة الإنجليزية قد فرضت على مدارسنا، ودامت سيطرتها عشرين سنة حتى قررت الجمعية العمومية في سنة 1907 عودة اللغة العربية إلى المدارس، فتم ذلك على يد سعد زغلول سنة 1908، أخذ هذا الجيل الذي حذق الإنجليزية، ويقرأ فيها المذاهب الأدبية الأوروبية، وروافع الآداب العالمية يثور على أدبنا التقليدي، وينادي بنظريات جديدة في الأدب شعره ونثره، ولم تكن الثقافة الفرنسية على الرغم من قوة الاحتلال قد قل شأنها بمصر، بل كانت لها قوتها ممثلة في مدارسها وبعثاتها التبشيرية، ومحبي الثقافة الفرنسية

الصفحة 15