كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

وبعد جدل مع صاحبه الذي يدافع عن شوقي بحرارة، وينصفه من حافظ يحتكمان إلى سطيح، فيحكم أن كلا منهما جانب الصواب، فالإغراق في القدح كالإغراق في المدح لا يعطي الرأي الصائب، ثم يقول: "إنه أرقكم طبعًا وأجملكم صنعًا"، وينتهي بقوله: "ولو أنه منح من رقة المباني ما منع من رقة المعاني، فسلم أسلوبه من ذلك التعقيد الذي أخلق ديباجته لكان شاعركم غير مدافع وواحدكم غير منازع"، وقد كان هذا طبعًا قل أن ينفي شوقي إلى الأندلس، ويعكف على قراءة الشعر العربي الجزل ويعود من منفاه، وقد استوى بين يديه ميزان الشعر لفظه ومعناه، ولكن حافظًا ظل يجادل في منزلة شوقي، ويستدل على سرقاته للمعاني، ولعل هذه هي المرة الوحيدة التي جأر فيها بالتهجم على شوقي، ولعله كان يطمع لمثل منزلته لدى القصر، وهو في أشد الحاجة إلى ما يمسك أوده، فوجد شوقي ثمة يسد عليه الأبواب، وقد صارحه سطيح بأنه إنما يحسده على مكانته، ولكنه يتعقب سيئاته دون ذكر شيء من حسناته.
ويتعرض حافظ لعديد من الموضوعات لا نستطيع أن نقف عندها جميعًا وبحسبنا أن نذكرها، فيتكلم على الأفغاني، ومحمد عبده، والعامية والفصحى، والشهرة والحسد، ووصف كتشنر، والخلق المصري، ويطيل في الكلام عن تجربته المرة في السودان، وعن المدرسة الحربية في عهد الإنجليز، ويصف ما عليه المصريون من الذلة، وهم في الجيش فيقول: "ينظر المصري إلى الإنجليزي وهو كأنه ينظر إليه بالنظارة المعظمة فيكبره رهبة وإجلالًا، ويتضعضع لرؤيته، وينظر إليه الإنجليزي بتلك النظارة وقد عكسها، فيصغره استخفافًا بشأنه، ويطيل عتاب الخالق الذي فطره على شكله وصورته، ومنحه نعمة التنفس في جو يتنفس الإنجليزي فيه، ويصف حال كبار ضباط الجيش المصري كبار الرتب، والأجسام لا كبار النفوس والأحلام، ويوسعهم ذمًا وتبكيتًا، ويقول له صاحبه: أراك موتورًا فلا يدع إذا بالغت في النعي على القوم فيما يذهبون إليه من ضروب سياستهم".
وقد نقل ما قاله على يوسف في المؤيد عن كرومر وحادثة دنشواي، ووصيف كرومر بأنه كالملك المطلق الإرادة، قضى كل هذا الزمن طيب الخاطر

الصفحة 150