كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

هادئ البال قرير العين بهذا السلطان القوي الذي يدير دولاب الحكومة المصرية، وقد لقي من الأمة مهادًا طريًّا، ومن أمير البلاد مسالمة مرضية، ومن الوزراء استسلامًا ليست العبودية أوفى منها في العبد لسيده".
وكان هذا الكلام طبعًا بعد أن طوحت حادثة دنشواي بكرومر، وأخرجته من مصر.
وقد رأى حافظ في ذلك المقال ما يشفي غلته من الإنجليز فنقله كاملًا، ولكنه رأى المقال لا يتعرض لدانلوب فأوسعه ذما، ونقد سياسته الخبيثة في التعليم، ذلك الرجل الذي "أبلى البلاء الحسن في قتل النفوس واستحياء الجسوم"، ونراه يقسو قسوة كبيرة فيحكمه على المصريين، فيقول على لسان أحدهم: "لقد نزلت هذه الأمة منزلة من الخمول هبطت بها إلى مصاف العجماوات حتى خشيت أن يخطئها البعث يوم البعث".
ويختم حافظ الكتاب بحديثه عن بؤسه وشقائه، ويصف نفسه وصفًا مؤثرًا فيقول: "وما كدنا نأتي على هذا الحديث حتى رأينا فتى يتوكأ على عصا، وهو لا يكاد يحمل بعضه بعضَا من قرط الهزال، وما تنطق به معارف وجهه من سوء الحال يرد عن نفسه حملات الألم، وصدمات السأم بأناشيد أودعها من الأنين ما يعلم به الصخور كيف تلين، فاستوقف هيكله أبصارنا واسترعى صوته أسماعنا، فإذا به يغني هذه الأبيات:
لقد كان هذا الظلم فوضى فهذبت ... حواشيه حتى بات ظلمًا منظمًا
تمن علينا اليوم أن أخصب الثرى ... وأن أصبح المصري حرا منعمًا
أعد عهد إسماعيل جلدًا وسخرة ... فإني رأيت المن أنكى وآلاما
عملتم على عز الجماد وذلنا ... فأغليتم طينًا وأرخصتم دما

الصفحة 151