كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

فإذا سألوه عن حاله ذكر أنه من تلاميذ الأستاذ الإمام، وراح حافظ يثني على أستاذه ما وسعه الثناء، وأن الخير كل الخير في تلك المدرسة العظيمة مدرسة الأستاذ الإمام، فإذا كان من خير يرجي لهذا البلد، فعلى أيديهم يكون.
ولقد رأينا من هذا العرض أن حافظًا اصطنع هذا القالب القريب من القصة، ولا نستطيع أن نقول إنه قصة وإنما هو من المقامة أدنى، إذ تنقصه عناصر القصة وحبكتها وعرضها وشخصياتها، ليدلي إلينا بآرائه في المجتمع الذي يعيش فيه، ولقد كان يردد كثيرًا من الآراء التي شاعت في عصره، وجهر بها قادة الإصلاح الاجتماعي منذ عهد جمال الدين الأفغاني ومدرسته، ولكن حافظًا كما رأينا وقف علينا ولم يطل الوقوف، ولقد كان صريحًا في مجاهرته بنقائص الإنجليز وسوء استعمارهم، وعظم بطشهم وغطرستهم، ولا بدع فهو يحمل في ذاكرته كثيرًا من تجاربه المرة معهم في السودان، ولكنه لم يجرؤ على الجهر بهذه الآراء إلا بعد أن اشتدت به المحنة، وخرج كرومر الداهية من مصر، وثارت مصر كلها وراء مصطفى كامل تندد به وبسياسته واستبداده.
ونلحظ على أسلوب هذا الكتاب أنه يراوح بين السجع والترسل، السجع في الغالب يأتي على لسان سطيح، وعلى لسان حافظ قليلًا، يكثر في الكتاب من الاستشهاد بشعره وشعر سواه، ونراه يحاول التجديد في التشبيه كقوله يصف الإنجليز: "وأما خلتهم فبيناهم ضعاف يغضون للخطب إذا هم أشداء ركابون للهول، فهم أشبه شيء بالخمر ضعيفة في الكأس شديدة في الرأس، ولهم نظر يشف له كل شيء كأنما قد جمعت لأشعة راتنجن من أشعته، وإرادة سخر لها البخار في البحار كما سخر الريح لسليمان، وكان لهم في اجتذاب ثروتها كياسة الإسفنج في اجتذاب الماء مع ذلك الرفق والسهولة".
ويأتي ببعض الجناس كقوله: "ترفل في الحرائر من هبات الحرائر"، وقوله: "لأنبذن تلك الحرفة التي اضطرتني إلى التحام الأعراض والميل مع الأغراض". وقوله: "ردني بارك الله فيك، وأسمعني تأويل ذلك من فيك"، وقوله: "هنا

الصفحة 152