كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

من المصريين الذين تعلموا في فرنسا، واشتدت تبعًا لكل هذا حركة النقل والترجمة من الآداب الغربية، كما اشتدت الثورة على الأدب التقليدي.
ثم جاءت الحماية وما صحبها من الأحكام العرفية بعد إعلان الحرب العالمية الأولى، فكممت الأفواه، وعطلت الأقلام، وتضاءلت الصحافة، وخفتت الأصوات، وتحمل المصريون كل ذلك بصبر بالغ، ما أرهقتهم به السلطة البريطانية إبان الحرب العالمية الأولى من مصادرة الأموال والماشية، والرجال لخدمة الحرب، حتى إذا وضعت الحرب أوزارها ظن المصريون أن الوطأة ستخفف، والحماية ستزول، ولكن مماطلة الإنجليز ونقضهم لعهودهم عرفتهم أن ذلك لن يتم إلا بثورة عاتية، فقامت ثورة 1919، وضحى المصريون فيها بالدم الغالي يبلل ثرى الوطن، وعرف زعماؤهم النفي والتشريد، وغصت السجون بالشباب الحر، وكانت هذه الثورة انفجارًا عنيفًا للكبت الشديد الذي عاناه المصريون، وبخاصة مدة الحرب، وانتهت هذه الثورة بتصريح 28 فبراير 1922، وبه نالت مصر بعض حريتها واستقلالها.
واعتمدت الثورة في انتشارها والدفاع عن مبادئها، وفضح أعمال المستعمر الغاصب، وقوته وطغيانه على الخطابة؛ لأنها توجه مباشرة إلى جماهير الشعب، كان الزعماء يخطبون وفي مقدمتهم سعد زغلول، وكان الشباب يخطبون في المدارس والأندية والمساجد، والكنائس، وكانت هذه الخطب مفعمة بالشعور الوطني الصادق، ترتفع أحيانًا إلى مستوى عال في عبارتها ومعانيها، وتهبط أحيانًا إلى مستوى الجماهير في لغتها، ولكنها على كل حال تقدمت بفن الخطابة تقدمًا عظيمًا ربما لم يشهد مثله الأدب العربي الحديث.
واعتمدت الثورة كذلك على المنشورات السياسية الحماية التي تكشف عن فظاعة الاستعمار، وعلى البيانات الرائعة التي كان يصدرها زعماء الأمة، تنشر أحيانًا في الصحف، فإذا صودرت الصحف، أو منعت من نشرها وزعت سرا.
ولما قبلت مصر تصريح 28 فبراير سنة 1922، وجاءت الحياة النيابية، وانقسمت الدولة أحزابًا، كل حزب له أنصاره وصحفه، ونوابه، ساعدت الحياة

الصفحة 16