كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

ويصف البكري الحالة الاجتماعية لعهده وصفًا دقيقًا، فيبدأ بالحاكم: "أما الحاكم فأكثر ما لقيت امرؤ إن أونس تكبر وإن أوحش تكدر، وإن قصد تخلف، وإن ترك تكلف، إمع لا يضر ولا ينفع، فيه جوفاء تردد ما يلقي عليها من النغم إن لا فلا أو نعم فنعم، ألقاب وأكاليل كل شخص في مرسح التمثيل، فإن طرحت الألقاب ونزعت هانيك الثياب، ألفيت تحتها العجب العجاب.
أبا الأسماء والألقاب فيكم ... ينال المجد والشرف اليفاع
لا عدةو ولا عدد وملك أقامه الله بلا رجال، كما رفع السماء بغير عمد.
ويقضي الأمر حين تغيب تيم
... ولا يستأذنون وهم شهود
إلى تيه وخيلاء وعنجهية وكبرياء، كأنه جاء برأس خاقان أو أدال دولة بني مروان ... إلخ".
وهذا إلى حد كبير وصف صادق للرؤساء والوزراء والحكام في عهد توفيق البكري؛ لأن الإنجليز كانوا هم الحكام الحقيقيين والمصريون دمي تحرك من وراء ستار، ولقد أدى إخفاق الثورة العرابية إلى فقدان المصريين الثقة بأنفسهم، وخضع كبراؤهم لأوامر المحتل الغاصب الذي نازع أمير البلاد سلطانه في شخص ممثله اللورد كرومر، كان هؤلاء يظهرون لمواطنيهم الصلف والكبرياء، تعويضًا عن الذلة والضراعة التي يظهرونها أمام المحتلين وعمديهم، حتى أتى مصطفى كامل وزأر زأرته وصال صولته، وبرهن على أن هذا المحتل أدنى من أن يهابه الوطني الحر الجريء.
ويقول البكري عن أبناء الطبقة الثرية بمصر والمتنفذين فيها لعهده: وأما أبناء السامة، فإن أحدهم غادة ينقصها الحجاب ينظر في مرآة ولا ينظر في كتاب، إنما هو لباس على غير ناس، كما تضع الباعة مبهرج الثياب على الأخشاب.

الصفحة 161