كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

وغيظ على الأيام كالنار في الحشا ... ولكنه غيظ الأسير على القد
وأرى رجالًا لا تحوط رعية ... فعلام تؤخذ جزية ومكوس
ظلموا الرعية واستجازوا كبدها ... وعدوا مصالحها وهم أجراؤها
فبينما ترى قصورًا وثراء، وحبورًا وسراء، وعربات تترى يعدو أمامها السليك والشنفرى، ويقودها داحس والغبراء على بساط الغبراء، وخراج قرية أو قريتين، يذهب في لهو ليلة أو ليلتين، نجد أرملة صناعًا وأيتامًا جياعًا وشيخًا يعمل وهو في أرذل العمر، يقعده العجز والفقر، أو عذراء كادت تدفع عرضها للاحتياج، أو مريضًا عاجزًا عن العلاج، وبينما ترى وذاحًا في جيدها عقد كأنه فرود حضار "الكواكب"، وفي أخمصها نعل من نضار، ترى بائسة في عنقها عقد من دموع، وفي بيتها فقر وجوع، حال تطرف العيون وتثير الشجون".
رحماك! إن عزلة بين كرم وأعناب، ودواة وكتاب، لهي الجماعية والأنس للنفس، وإن اجتماعًا بكبير يبغض ويزار، أو رئيس لا يجد نفسه في الليل ولا تجده في النهار، أو عدو ليس من صداقته بد، أو حقود ذله أظهر منه الود، أو حسود قلق، كالذبابة يضحك ويحترق، أو جاهل متعالم، أو متفصح وهو باقل أو صغير به كبر أو خدين فيه عذر لهو وايم الله الوحشة والوحدة".
ولقد رأينا عاطفة البكري القوية نحو الفقراء، وكيف صور بؤسهم وفاقتهم وظلم الطبقة الحاكمة وذوي الثراء لهم.
لقد كانت هذه آراء متقدمة على زمانه ولا سيما في مصر حيث يسود الإقطاع بظاهر الاستعمار، وإذا كان جمال الدين قد نبه المصريين إلى المطالبة بالشورى، فإنه لم يعن العناية الكافية بالإصلاح الاجتماعي على الرغم من صيحته المدوية للمصريين بأنهم نشأوا في الاستعباد، وربوا في حجر الاستبداد، وعلى الرغم من تحريضه لهم على الثورة إلا أن غايته كانت سياسية.
وإن كان بعض تلاميذه قد تأثر بدعوته إلى الإصلاح الاجتماعي مثل عبد الله نديم، ولكن آراءه لم تبلغ في جرأتها وتقدمها نحو المساواة الحقيقية بين

الصفحة 164