كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

النيابية على رواج الخطابة السياسية والاجتماعية، كما أن الصحافة الحزبية قد عملت على حشد الأقلام القوية لمناصرتها، وخلط الأدباء بين العمل السياسي والعمل الأدبي، وأنشئت المجلات الأدبية بجانب الصحف السياسية تعرض تراثنا القديم عرضًا جديدًا، وتزود الفكر العربي بكثير من ثمار الثقافة الغربية شعرًا أو نثرًا في صورة مقالات، أو أقاصيص أو سير وتراجم، أو أبحاث أدبية أو نظريات نقدية، على اختلاف الموضوعات التي تعالجها من اجتماعية وأدبية وفنية، واشتهرت السياسة الأسبوعية، والبلاغ الأسبوغي والجديد للمرصفي، ثم الرسالة والثقافة، ولم تعد مجلة الهلال التي صدرت قبل الحرب العالمية الأولى وحدها في الميدان.
وكان لهذه الصحافة الأدبية القوية أثرها المشكور في الترويج للأدب، والكشف عن كثير من المواهب الأدبية فيما بين الحربين العالميتين.
كما قويت حركة الترجمة من الآداب الغربية، واهتمت الصحافة اليومية بنشر الأقاصيص مسلسلة، أو غير مسلسلة، ولم تخل مجلة من قطع مترجمة، وعمد كبار الأدباء إلى ترجمة روائع الأدب الغربي مثل: باقة من حديقة أبيقور، والزئبقة الحمراء، وتاييس لأناقول فرانس، وهدية العشاق لطاغور وزاديج لفولتير، وفاوست وآلام فرتر لجيته، وروفائل للأمرتين، واشتهرت ترجمات المنفلوطي لبول وفرجيني "باسم الفضيلة"، وماجدولين والشاعر، ويترجم السباعي لتشارلز دكنز عشرات الأقصوصات عن الأدب الفرنسي والروسي والإنجليزي، وعمرت الترجمات المكتبة العربية من كل لون وكل موضوع، وبشتى الأساليب، فمنها السامية التي تتحرى الدقة ونصاعة الأسلوب، ومنها المسفة موضوعًا وعبارة، ومنها ما بين بين.
وفي أوائل عهد الاستقلال والتحرر من سيطرة المستشار الإنجليزي أنشئت الجامعة المصرية الحديثة في سنة 1926، وضمت إليها كثير من المعاهد العليا، واهتمت كلية الآداب بدراسة اللغات الحية والقديمة، وباللغة العربية واستقدمت المستشرقين في شتى فروع اللغة والأدب، فأفدنا منهم طرق البحث والمناهج

الصفحة 17