كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

الإسلامي وتعاليمه السمحة التي تشربت بها روحه، وبنزعته الرومانسية، والإصلاحية.
وفي مقالته "الضمير" لا يبين لنا ما الضمير، وكيف ينشأ، ويتربى حتى يكون ذلك الحارس اليقظ الذي يرد الإنسان عن سبيل الغواية إذا ما هممت نفسه الأمارة بالسوء أن ترتكب إثمًا في حق الله، أو حق المجتمع أو حق سواه من الناس، والذي يحثه على فعل الخير وإنما نراه يتكلم عن "الخلق"، وهو يفرق بين التخلق والخلق ويقول: "أكثر الذين نسميهم فاضلين متخلقين بخلق الفضيلة لا فاضلون؛ لأنهم إنما يلبسون هذا الثوب مصانعة للناس، أو خوفًا منهم، أو طمعًا فيهم، فإن ارتقوا قليلًا عن ذلك لبسوه طمعًا في الجنة التي أعدها الله للمحسنين، أو خوفًا من النار التي أعدها الله للمسيئين.
أما الذي يفعل الحسنة؛ لأنها حسنة أو يتقي السيئة؛ لأنها سيئة فذلك من لا تعرف له وجودًا، أو تعرف له مكانًا.
إنه هنا سيئ الظن بأكثر اللناس فهم ليسوا فضلاء في رأيه، وهذا إسراف في الحكم، وطعن عنيف للمجتمع الذي يعيش فيه، والفكرة التي ساقها بأن بعض الناس فاضل؛ لأنه يرغب في الجنة ويخاف النار، ولا يفعل الحسنة لذاتها، ولا يتجنب السيئة لذاتها، فكرة دخيلة على الفكر الإسلامي يروج لها هؤلاء الذين لا يرون الدين والعقيدة لهما أثر في الأخلاق وتربيتها، وهو من المطاعن التي وجههها بعض أعداء الإسلام للقرأن الكريم والدين الإسلامي، ويقولون: يجب على الإنسان أن يكون خيرًا من نفسه، ومن نبع ضميرهِ، بعيدًا عن الشيء من نفسه، ومن نبع ضميره، وفاتهم أن الضمير هو ما قر في النفس منذ الصغر بالتربية والعرف والعادات، والنموذج الذي يراه المرء ويحتذيه، وقد تكون هذه التربية وتلك العادات والتقاليد منافية للفضيلة المطلقة التي يقرها العقل السليم، فلا يكون ثمة ذلك الضمير الذي ينشده رجال الأخلاق، وفاتهم أن الفضيلة بنت العادة كما يقول أرسطو، وأن جمهرة الناس ليسوا مفكرين وفلاسفة، وأن الغرائز الإنسانية الفطرية تتحكم في تصرفاته مهما قيل عنها، ومن هذه الغرائز الخوف من العقاب، والطمع

الصفحة 207