كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

أن يجدد في التشبيه فوقع في هذا الخطأ الفاحش، وأراد أن يصور طرب العربي للغناء فلم يجد إلا نواح الثكلى والمرزوءة في واحدها.
وأحيانًا يجني عليه محفوظة، ذلك الذي أنكر أنه عنى به أو حاوله في قراءاته المختلفة، والذي قلنا: إنه تسرب إلى تعبيراته من غير إرادة منه فيفسد التشبيه، ويحول بينه وبين أداء وظيفته، وذلك كقوله:
"إن منظر الشاكي ونغمة ثنائه وحمده أوقع من العود في هزجه ورمله، وأعذب من نغمات معبد في الثقيل الأول"، ولا يعرف الهزج والرمل من القواء إلا الأقلون عددًا، وما العلاقة بين نغمة الشاكي، ونغمات معبد في الثقيل الأول، وهو نفسه لا يعرف الثقيل الأول، إنه ترديد لما قاله الأقدمون حين كانوا يعرفون معبدًا، ويقدرون فنه، ويعرفون أنواع غنائه، وقد أخذه من قول البحتري:
هزج الصهيل كأن في نبراته ... نغمات معبد في الثقيل الأول
ومن ذلك المحفوظ قوله: "كنت أحسبه إنسانًا فإذا هو سيد عملس "أي سريع".
وقوله: "لو كشف لك عن نفسه.... لوددت أن لو تيسر لك أن تبتاع أقدام السليك بجيمع ما تملك يدك، ففررت من وجهه فرارًا لا من وجه الأسد" إنه يعيش في العصر الجاهلي أيام كان السليك بن السلكة مشهورًا بالعدو السريع، ويعيش في الصحراء أو الغابات حيث الأسود والحيوان الضاري، إنه مجاز لا يلائم مقتضيات العصر وتصوراته، وقد جاءه من محفوظه القديم.
ومن ذلك قوله: "اللهم إنا نعلم أنا لموت غاية كل حي، وأن مقاديرك التي تجري بها بين عبادك ليست سهامًا طائشة، ولا نياقًا عشواء"، فقد يكون التشبيه بالسهام مقبولًا على الرغم من أننا في عصر لا نستخدم فيه السهام، ولكن ما هذه النوق العشواء في القاهرة وفي هذا القرن؟؟
ومن ذلك قوله: "سلام عليك أيها الشباب، سلام على دوحتك الفينانة الغناء التي كنا نمرح في ظلالها مرح الظباء العفر في رملتها الوعثاء"، وهي صورة

الصفحة 233