كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

وقوله: "كان مصطفى كامل سراجًا كبير الشعلة، وكل سراج تكبر شعلته يفرغ زيته وشيكا، وتحترق ذبالته فينطفئ نوره، كان مصطفى كامل نشيطًا سريع الحركة، فقطع جسر الحياة في لحظة واحدة".
وقوله -محاولًا التجديد في الصورة- عن الشيخ محمد عبده والشيخ علي يوسف: "وكانت منزلتهما من الأحياء منزلة الأم من مصابيح الكهرباء، تشتعل المصابيح بتيارها، وتضيء بأسرارها، فإذا فرغت مادتها وانقضى أجلها عم الظلام واشتد الحلك، والمصابيح كما هي جسم بلا روح، ولفظ بلا معنى".
ومن خصائص أسلوبه التي نلمحها بين آن وآخر إيراد الجمل المترادفة على المعنى الواحد في إسهاب، فيقول مثلًا: "المدى الشاسع"، والشأو البعيد"، ويقول: "والأدب جاثم في مكمنه هامد لميبعث من مرقده"، ويقول: "أين الباقي الذي يزعمون، والخلف الذي يذكرون"، ويقول: "أما الثاني فسر مذاع، وحديث مشاع"، ويقول: "أين البلابل التي كانت تنتقل بين أشجارها فتطرب بالأغاريد، وتستهوى بالأناشيد"، إلى عشرات الأمثلة التي نراها في مقالاته،
ولعل هذه الظاهرة أتت له من قراءته للجاحظ بصفة خاصة.
ونراه أحيانًا كثيرًا يكلف بالمقابلة كقوله: "إن كان يتمنى أن العيون التي رأته بالأمس وهو وضيع تراه اليوم وهو رفيع"، وقوله: "إنها شاركته في شدته فجيب أن تشاركه في رخائه، واحتملته والدهر مدبر عنه فيجب أن يحتملها والدهر مقبل، وأقرضته الصبر على عشرته، فيجب أن يوفيها الصبر على عشرتها".
وكقوله: "لا يجد المرء لذة الطعام إلا إذا ذكر الجوع، ولا لذة الماء إلا إذا ذكر الظمأ، ولا لذة السعادة إلا إذا تمثل أمام عينيه عهد الشقاء، فما أحوجه إذا انتقل من عذاب الفقر إلى نعيم الغنى -إلى أصدقاء عهده الأول، وعشرائه ليجلس ويتحدث عن ماضيه، فيشعر بلذة الانتقال من حال إلى حال".
ونراه أحيانًا يرد الجمل على نفسها كقوله: "وأحسب أنها إذا كانت إذا خلت بنفسها أو خلا لها وجه السماء".

الصفحة 235