كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

وسلطان حضارته، وفي ذلك يقول طه حسين: "ليس أمر الترجمة أمر حب أو بغض، وإنما الحاجة الاجتماعية والعقلية هي التي تدعو إلى الترجمة الآن، كما كانت تدعو إليها في العصور القديمة والوسطى، وبمقدار شعور الأمة لهذه الحاجة الاجتماعية يكون حظها من الترجمة عن الأمم الأخرى".
عنيت معظم المجلات بالترجمة عن اللغات الأجنبية، حتى لتعد هذه الفترة عصر الترجمة والتعريب، ولما كان المقال بطبيعته أطول من القصيدة والفكرة والطرفة، كانت الترجمة منه قليلة، ومع ذلك وجدنا في "البيان" بعض مقالات مترجمة لمارك توين الأمريكي وغيره كما أشرنا إلى ذلك آنفًا، ورأينا في البلاغ الأسبوعي: "آلام النوابغ" لإميل فوستر، و"زعيم مصلح" لإيفان ترجنيف، و "خواطر بسكال"، و"مثل: "قطر الورود"، و"دكان المزين"، و"الراهن الخجول"، و"ليلة أرق"، و"أمومة الرجل"، و"العزلة" و"الفلسفة"، و"الشيطان"، و"سحر الشرق"، وقد قام بترجمة معظم هذه الموضوعات عباس حافظ، وكان ذا قلم بليغ مشرق، وديباجة رصينة قوية.
كما نقل عن الكاتب النرويجي "جوناس لاي" مقالته "فلسفة كتكوت" بعد أن عرف بالكتاب تعريفًا موجزًا، ونقل عن الكاتب البولندي غلادستون رايمونت مقالته "الشفق"، وهي وصف بليغ لحياة حصان مسكين، وقد عرف بالكتاب بأنه أبدع من وصف حياة الريف والفلاحين فقد "عاش دهرًا بينهم، وأقام زمنًا فيهم، وهو البولوني الذي نال جائزة نوبل في الأدب سنة 1924 بمناسبة كتابه البديع "الفلاحون".
وكان لمثل هذه المقالات ولا ريب أثرها في توجيه كتاب المقال لدينا إلى الحياة من حولهم بكل ما فيها من نقائض وطرائف، وعمقت نظرهم إلى جوهر الأشياء التي تحيط بهم، ولفتت أنظارهم إلى بهجة الحياة وزنتها، فانطلقوا يصورون حياتهم المعاصرة، فنجد مقالات عن: شيخ طريقة، العمدة، ابن البلد، الوهم، العزلة، الكبريت، الحرية، صندوق الكتاكيت، الوطواط.
وقد ظفرت القصة القصيرة بنصيب كبير من العناية، وخصصت لها كل مجلة أدبية مكانًا معينًا، وكانت بعض المجلات تتحرى الدقة في اختيار القصص

الصفحة 260