كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

إلى مراقبة ضرب من ضروب المعارف في الغرب، وأثر من آثار الفكر في لغاته، فيعرف مرامية، وينقل في الصحف والمجلات ما يجدر نقله إلى لغتنا.
أما أن ننقل الضار والنافع، والغث والسمين، وما لا فائدة منه لنا، وما يوجهنا وجهات خاطئة في تفكيرنا وعقائدها وأخلاقنا، فذلك ما يجب أن نعمل على منعه، محاربته، لقد اشتدت حمى الترجمة فيما بين الحربين العالميتين حتى جنت على الأدب العربي من المسخ والتشويه، وفي ذلك يقول الزيات: إن أدبنا اليوم يجهل اللغة العربية، ويعلم اللغة الأوروبية، ويقرأ الأدب الأجنبي، ويغفل الأدب العربي، صار الأدب المصري الحديث كالمجتمع المصري الحديث يقوم على موت الشخصية، وفناء الذات، ونسيان التاريخ، ونكران الأصل، فهو يستلهم المطابع الأوروبية، ويخضع قريحته للقرائح الأوروبية، ويعقد لسانه بالألسنة الموهوبة فيها، فيحكي ما نقول في لعثمة نكراء من أثر العقدة، وهو لو وضع عن كاهله نير الامتياز، وفهم هذه الكلمات المخربة على المجاز، فأخذ عن طبعه، وترجم عن طبيعته لفجأ الغرب بأدب قدسي الإلهام، سحري الأنغام، شرقي الروح، مصري الطابع، يحل أهله من أدب العالم ما أحل أدب الهند إقبال وطاغور "الرسالة 28 مايو 1934".
وليس معنى ذلك التخلي عن الترجمة، ولكن لا بد من الاختيار المفيد الدقيق لما يترجم، على أن يضطلع بها ذوو الأقلام القوية التي تستطيع أن تثري اللغة والأدب بهذا النقل، وتطعم الأدب بأنواع الفنون الغربية، وتصله بتيار الأفكار الحديثة الجيدة.
ولقد ذكرنا آنفًا ما قاله بعض المتطرفين المتحمسين للآداب الأجنبية، والذين يريدون أن يقطعوا صلتنا بماضينا جملة من أمثال "سلامة موسى، وإسماعيل مظهر، ومحرر الفجر"، لقد كان ثمة إجماع من الفريقين: المحافظين والمجددين على الترجمة، ولكن العابثين أساءوا إلى المثقفين بنقلهم نفايات الثقافة الغربية، وبخاصة القصص الرخيصة التي نشأت فيما بعد الحرب العالمية الأولى، قصص الجنس والشهوة والجريمة، ونقلت هذه القصص بأسلوب ركيك فيه كثير من التبذل

الصفحة 264