كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

العامي، والساقط الحوشي، فأساء إلى أساليب الشباب حتى كادت تستعجم، وكان من الظلم أن يسمى هذا النوع أدبًا".
ولم يقتصر الصراع بين المحافظين والمجددين على نوع الترجمة وما يجب أن يترجم، ولكن ثمة قضايا كثيرة أثيرت وصارت موضع جدل طويل مثل حرية الفكر، وإلى أي حد يجب أن يكون الكاتب حرًا فيما يتناول من موضوعات، وقد ظهرت في تلك الحقبة عدة أبحاث تتسم بالجرأة مثل "حالة المرأة في التقاليد الإسلامية وتطوراتها" لمنصور فهمي 1931، و"الإسلام وأصول الحكم" لعلي عبد الرازق، وكتاب "في الشعر الجاهلي" لطه حسين.
وأثير موضوع العلم والدين والخلاف بينهما فيقول الدكتور هيكل: "الدين يقرر المثل العليا وقواعد الإيمان التي يجب أن تأخذ الناس بها في حياتهم، والعلم يقرر الواقع في حياة الوجود، ويترسم تطور الحياة في سبيل سيرها نحو ما يظنه الكمال، والكمال الذي يدعو إليه الدين كمال ثابت، أما الكمال الذي يدعو إليه العلم فكمال ظني".
أما الدكتور طه حسين "فرأى أن العلم شيء آخر، ومنفعة العلم والدين أن يتحقق بينهما هذا الانفصال، حتى لا يعدو أحدهما على الآخر، وحتى لا ينشأ من هذا العدوان في الشرق الإسلامي مثل ما نشأ في الغرب المسيحي، وأن الدين حين يثبت وجود الله، ونبوة الأنبياء يثبت أمرين لم يستطع العلم إلى الآن أن يثبتهما، فالعلم لم يصل بعد إلى ثبات وجود الله، ولم يصل بعد إلى إثبات نبوة الأنبياء، وإذا فبين العلم والدين خصومة في هذين الأمرين، ثم إن العلم لا ينفيهما، أو هو لا يعرض لنفيهما أو إثباتهما، وإنما ينصرف انصرافًا تامًا إلى ما يمكن أن يتناوله بالبحث والتخصص.
هذا أمر والأمر الثاني أن الكتب السماوية لم تقف عند إثبات وجود الله ونبوة الأنبياء، وإنما عرضت لمسائل أخرى يعرض لها العلم بحكم وجوده، ولا يستطيع أن ينصرف عنها، وهنا يظهر تناقض صريح بين هذه الكتب السماوية، وما وصل إليه العلم من النظريات والقوانين.

الصفحة 265