كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

هذا مبلغ ما وصلت إليه اللغة، والكتابة في أخريات العصر العثماني، وأوائل العصر الحديث ... تهافت في العبارة وركاكة في الأسلوب، واستعجام في الألفاظ، وعامية فاشية، وضحالة في المعاني، وقيود ثقيلة من السجع والمحسنات البديعية، وإذا وازنا بين حال الكتابة في تلك الآونة، وحالها اليوم بعد مضي ما يقرب من قرن ونصف، ورأينا عندنا نصرًا فنيًا تزدهي به العربية، ويباهي برونقه، وسعته، وعمق معانيه وغزارتها، وطلاوة عبارته ونقاوتها ما كان عليه النثر في عصر العربية الذهبي في القرن الثالث، والرابع من الهجرة، وجدنا أن الشوط الذي قطعته الكتابة منذ أوائل القرن التاسع عشر حتى اليوم لم يكن سهلًا هينًا، والتخلص من العقبات، والأوضار والأدواء لم يكن ميسرًا دائمًا، دع عنك ما أخذت به من أسباب الصحة والقوة والنمو، وهذا ما سنتتبعه في هذه الصفحات.
وجد بعض الأدباء في عصر محمد علي ممن نسجوا على منوال أسلافهم مثل الشيخ العطار، وحسن قويدر، والخشاب، والدرويش ومن على شاكلتهم وهؤلاء -وإن اختلفوا في مواهبهم الأدبية قوة وضعفًا- إلا أنهم ينتمون إلى عصر ما قبل النهضة، ولا تتميز كتاباتهم بكثير من الخصائص عما كان شائعًا في أخريات عصر العثمانيين، ولعل الشيخ حسن العطار من أحسنهم أسلوبًا، وأرقهم ذوقًا وأكثرهم سعة أفق وتجربة.

الصفحة 29