كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

وقد أفاد من مقامه بباريس فائدة أجدت على الأمة العربية جمعاء، إذ عمل جاهدًا على نقل الثقافة الغربية إلى اللغة العربية منذ بدأ يجيد الفرنسية، وهو بعد طالب بباريس، ويبذل الجهود المضنية لتذليل اللغة العربية لمصطلحات العلم الحديث بعد أن أسن ماؤها قرونًا طويلة منذ عصر العباسيين، وينظر إلى ما حوله في المجتمع الفرنسي نظرة المصلح الناقد الذي لا تخلبه الحياة الغربية بخيرها وشرها، ولكن نظر من يريد نفع وطنه، واقتباس المقيد له والمتلائم مع عاداته ودينه وتقاليده، ومن يريد التعرف على أدواء وطنه، والطريق السوي لعلاجها حتى يمضي قدمًا في درج الحضارة والرقي.
ونراه وهو بباريس يعكف على كتابه مذكراته عن رحلته تلك التي سماها "تخليص الإبريز في تلخيص باريز".
وكان أستاذه العطار قد أشار عليه بتدوين هذه الرحلة، وتسجيل انطباعاته وآرائه في أثناء مقامه ثمة، ويشير رفاعة في مقدمة هذا الكتاب إلى رغبة أستاذه هذه فيقول: "إنه مولع بسماع عجائب الأخبار، والإطلاع على عجائب الآثار، وأن ينبه على ما يقع فيه هذه السفرة، وعلى ما يراه، وما يصادفه من الأمور الغريبة والأشياء العجيبة، وأن يقيده ليكون نافعًا في كشف القناع عن محيا هذه البقاع، التي يقال فيها: إنها عرائس الأقطار، وليبقى دليلًا يهتدى به إلى السفر إليها طلاب الأسفار، وخصوصًا وأنه من أول الزمن إلى الآن لم يظهر باللغة العربية على حسب ظني شيء في تاريخ مدينة باريس، كرسي مملكة الفرنسيس، ولا في تعريف أحوالها ولا أحوال أهلها"، والذي يهمنا نحن في هذا الكتاب عدة أمور: أولها موضوعه؛ لأنه جديد في اللغة العربية حيث تعرض لوصف السفر والبحر، والمواني المختلفة التي مر بها، ونظم الحياة في تلك الديار من مأكل وملبس ونوم ونزهة ودرس، ووصف المجتمع الفرنسي وعاداته الحسن منها والرديء، ووصف الحياة السياسية، وما يتمتع به أهل فرنسا من حرية في القول، والكتابة سواء في مجالسهم الخاصة أو في دار النيابة، وعلاقة الحاكم بالمحكومين، ووصف

الصفحة 30