كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

مظاهر الحضارة من حفلات ودور تمثيل، ووسائل ركوب -إلى غير ذلك مما يعد وصفه جديدًا بحق، ولم يكن رفاعة مجرد وصاف، ولكنه لشدة حرصه على منفعة بني وطنه تراه يعلق تعليقات تدل على حصافة، وإيمان عميق بمبادئ، ومثل عليا لا يحيد عنها، وينقد ما يراه من تخلف في وطنه بصراحة بغية التنبيه والإفادة.
وثاني هذه الأمور التي تهمنا في هذا الكتاب الذي يعد باكورة في النثر الحديث، العقبات التي قابلها رفاعة في تذليل اللغة العربية لوصف الحضارة الحديثة الغربية، إذ وجد نفسه أمام فيض من الكلمات الأعجمية التي لا يجد ما يقابلها في العربية، فجهد في الوصول إلى كلمات عربية تؤدي معناها، فإن أعجزه ذلك عمد إلى التعريب، ونقل الكلمة الفرنسية إلى العربية بعد تطويعها وصقلها لتلائم اللسان العربي، وكان في ذلك يتأسى بمترجمي القرنين الثالث والرابع للهجرة عند نقلهم علوم اليونان والفرس، وهو لا يتحرج أحيانًا من استعمال الكلمة الدارجة، والكلمة التركية إذا رأى الحاجة ماسة إليها، وقد أسلف لنا
عذره في لمقدمة حيث "أراد سهلًا لا توعر فيه، يسلك طريق الإيجاز،
وارتكاب السهولة في التعبير حتى يمكن لكل الناس الورود على حياضه".
وقد ظلت هذه المشكلة قائمة ردحًا من الزمن، واصطدم بها عدد كبير من رواد الترجمة في خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ولم يكن ثمة اتفاق على ترجمة الكلمة الواحدة، وإنما يترجمها كل شخص حسب مجهوده وثقافته، إلى أن جاء مجمع اللغة العربية، وحاول أن يوحد هذه المصطلحات ولا سيما في العلوم، وإن كانت الآداب بخاصة والعلوم الإنسانية بعامة قد خطت في ذلك السبيل -قبل المجمع- خطوات واسعة، وصارت اللغة العربية قادرة
على التعبير عن أدق خلجات النفس الإنسانية منذ أوائل القرن العشرين كما سنرى فيما بعد.
ولكن رفاعة كان رائدًا من رواد هذه الطريق، ويعمل وحده في الميدان عملًا شاقًا، ولا ريب أن اللغة قد أفادت من مجهوده فائدة كبيرة، وبحسبنا أنه من أوائل الذين أوصلوها بالتيارالثقافي الغربي، وقبل أن نسوق الأمثلة التي تظهرنا على

الصفحة 31