كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

أو هذا التعريب كما سماها بأنه أداها بأسهل تقريب وأجزل تعبير، متحاشيًا ما يورث المعنى أدنى تغيير، أو يؤثر في فهم المقصود أقل تأثير، مع محافظة على الأصل، والحرص على سلامة العربية، وقواعدها وأصولها ووصف الكتاب المترجم نفسه بأنه "مشتمل على الحكايات النفائس، وفي ممالك أوروبا وغيرها عليه مدار التعليم في المدارس، ومؤلفه "فنلون" ملك أداب، وذو ملكة سيالة تفيض بالعجيب، والإعجاب".
كانت هذه القصة من الكتب التي ترجمها رفاعة وهو في السودان، وعلى الرغم من إدراكه ما في هذه المحاولة من صعوبة إلا أنه كان واثقًا من اقتدار العربية، ووفائها بأمثال هذه التراجم وذلك كما يقول: إنه معلوم عند أهل الصناعة أن يجر اللغة العربية يقطع على محيط بحار اللغات الأخرى التيار، وأنه لدررها ولآليها غواص، ولسماء غيثها مدرار، ولآدابها ومعارفها ميزان ومعيار، وكل شيء عنده بمقدار، فلا غرو إذا فتح اللسان العربي بمقاليده عن مفردات الألسن، ومجتمعها ومستقرها، ومستودعها"، وهذه نظرية جديرة بالاعتبار، فاللغة العربية قد وسعت ثقافة اليونان والفرس، وغيرهم في القديم، وإذا كان العرب قد أغفلوها لما كانوا فيه من هوان، وإذا كانت اللغة ذاتها قد عميت عليهم لما كانوا فيها من جهل وفقر عقلي، وإذا كان ركام القرون قد طمر كثيرًا من مفرداتها، فإن هذه المحاولة وأمثالها تكشف عن ذخائرها، وتبرهن على قدراتها ووفائها بالتعبير عن هذه المعاني، إذا كان المترجم متمكنا في اللغتين، قديرًا على الكشف عن أسرارها.
ولا نريد أن نترك هذه القصة المترجمة دون أن نقف قليلًا لدى الأسلوب الذي ترجمت به ذلك الأسلوب الذي نعته رفاعة بأنه أجزل تعبير، فقد التزم رفاعة في هذه الترجمة العبارة المسجوعة، وقوة الأداء، واختيار الألفاظ قدر طاقته وجهده، وقد ذكر رفاعة أنه عربه وهو "مبلبل الخاطر، وسحائب الهموم على مواطر، بالبعد عن الأهل والدار، والتعرض لحوادب الدهر والأخطار، ثم طرحته في زوايا الإهمال، ولم يسنح لي إشهاره ببال "كان قد ترجمه ما بين 1850

الصفحة 37