كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

و1853 ولم ينشر إلا سنة 1867"، حتى علم به بعض الطلاب، من الأحباب ذوي الألباب، ودعا بدعاء مجاب، فاقتصرت على أن أرسلت إليه بنسخة مقابلة على أصلها إذا كانت أحق بها، وقد كان خطر لي أن أفرغه في قالب يوافق مزاج العربية، وأصوغه صياغة أخرى أدبية، وأضم إليها المناسبات الشعرية، وأضمنه الأمثال والحكم النثرية والنظمية، يعني أنسجه على منوال جديد، وأسلوب به ينقص عن أصله ويزيد، حتى لا يكون إلا مجرد أنموذج لأصله الأصيل، يقبل عليه من الأهالي كل قبيل، إلا أني رأيت أن الأوفق الآن بالنسبة للوقت، والزمان حفظ الأصل وطرح الشك، وإبقاء ما كان على ما كان، وإنما لم أجد بدا من مسايرة اللغة العربية وقواعدها، وعقائدها المرعية، مع المحافظة على الأصل المترجم منه حسب الإمكان".
لقد كان رفاعة يريد أن يتصرف في الترجمة، ويصوغه صياغة جديدة غير متقيدة بالعبارة الفرنسية، بل قد يزيد عنها أو ينقص لتأتي عبارته في أسلوب أدبي جميل، وإن دل هذا على شيء فهو يدل على أن رفاعة أحس بأن أسلوبه يتطور، وأنه كان عند طبعه أقدر منه على الصياغة الأدبية عند ترجمته، وفي الحق إن أسلوب رفاعة قد تطور مع الأيام، وكما أوغلنا في القرن التاسع عشر نجده يزداد نصاعة، وقوة وتخلصًا من أوضار الماضي وقيوده.
ولم تكن المقدمة وحدها مسجوعة، ولكن الكتاب كله أتى مسجوعًا، وإليكم مثلًا من هذا الكتاب حتى يعيننا في التعرف على تطور الأسلوب الأدبي لدى رفاعة وغيره، يقول تليماك حين نزل مصر: "ثم وصلنا إلى جزيرة المنار القريبة من مدينة "بو" "اسم الإسكندرية" فنزلنا النيل، وسرنا حتى وصلنا إلى مدينة منف، نعم، إن أسرنا أوجب عندنا الغم والحزن، وأبعد عنا السرور والفرح بأي شيء قبيح أو حسن، لكن قد تفرجنا وسرحنا الأبصار، بمشاهدة أرض الخصبة الشبيهة بجنة تجري من تحتها الأنهار، فمن الشطين في أي جانب كان، مدن عظيمة غنية شديدة العمران، وقصور الخلا جيدة الموقع، ومزارع مذهبة الحصيد كل

الصفحة 38