كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

سنة تزرع، ومراع مملوءة من الماشية، وأهل الفلاحة عندهم المحصول بكثرة، وثروتهم ذات صيت وشهرة، والرعاة يغنون على صوت المزامير، والصدى حولهم مجيبهم مكررا بالتعابير، فقال منظور "مربى تليماك ورفيقه في رحلته" حين رأى ذلك:
- ما أسعد الأمة التي يحكمها ملك عاقل، وسلطان عادل، تعيش في الرخاء، والكرم والسخاء، وتكون سعيدة مرتاحة، تحب دوام ملكه إذ هو السبب في الراحة ... إلخ.
ومن أوائل الكتب التي ترجمها كتاب "قلائد المفاخر في غريب، وعائد الأوائل والأواخر"، ترجمة وهو بباريس وطبع لأول مرة سنة 1833، وقد سلك فيه رفاعة غالبًا مسلك الترسل، وكانت الألفاظ الصحيحة لا تسعفه أحيانًا كقوله: "ولا يوجد أحد ذو ذوق سليم وطبع مستقيم إلا ويطرب بسماع الآلات حتى الخلق الهمل المتوحشون، فإن لهم آلات خاصة ذات دوي ملخبط وغوغة عظيمة بحيث يضر آذان السامع فهي كالدربكة مثلًا".
ولكنه اشتمل على كثير من المباحث القيمة كالشعر والموسيقى، والغناء لدى الأمم المختلفة في الشرق والغرب، ومختلف العادات كالزواج والحفلات وإكرام الضيف والملبس والسكنى والمئونة وغير ذلك، وبهذا كان صلة بين العربية وبين العالم الخارجي.
ومن المترجمات ذات الأثر في النثر الحديث كتاب سماه رفاعة "بداية القدماء وهداية الحكماء"، وهو من الكتب التي أخرجها بعد عودته من باريس تعرض فيه لتاريخ اليونان، والميثولوجيا والآداب اليونانية، وتضمن كذلك أخبار الأنبياء وتاريخ قدماء المصريين والسوريين، والسريانيين والبابليين والعجم والهنود، وأفاض في تاريخ اليونان وخرافاتها، وحروبها وفتوحها وآدابها وعلومها وفلسفتها، وقد استعان في تأليف هذا الكتاب بكتب التاريخ الفرنسية المعتمدة، وقد ختمه رفاعة بنبذة عن الميثولوجيا لدى المصريين القدماء، ونجح رفاعة فيما أخفق فيه مترجمو العصر

الصفحة 39