كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

العباسي حيث لم يفهموا كتابي الشعر والخطابة لأرسطو، ولم يستطيعوا نقل ما كتبه من المأساة بأسلوب عربي مفهوم، ولم يحاولوا أن يشرحوا الميثولوجيا اليونانية، "أي عقائدهم التي بنيت عليها آدابهم"، فجاءت تلك الترجمات غامضة، وكان لذلك أثره في الفلسفة الإسلامية من جهة، وفي إعراض العرب والمسلمين عن الأدب اليوناني من جهة أخرى، وقد أتم رفاعة هذه الأبحاث القيمة بترجمته لقصة "تليماك"، فكان بذلك أول من شق طريق التيار الأدبي العربي الذي أخذ من ذلك الحين يتدفق على العربية، ويزاحم التيار العربي الأصيل.
ومن أواخر الكتب التي ألفها رفاعة كتابان سنقف عندهما هنيهة لنعرف كيف تطور أسلوبه، أما أولهما فكتابه "مناهج الآداب المصرية في مباهج الآداب العصرية"، وقد قدم له بمقدمة بين فيها الغرض من تأليفه، وهو نفع قومه على قدر جهده، وإرشادهم لما فيه خيرهم، أن "يعين الجمعية بقدر الاستطاعة، ويبذل ما عنده من رأس مال البضاعة، لمنفعة وطنه العمومية، وذلك بتصنيف نخبة جليلة، وترصيف تحف جميلة في المنافع العمومية التي هي للوطن توسيع دائرة التمدنية، اقتطفتها من ثمار الكتب العربية اليانعة، واجتنيتها من مؤلفات الفرنساوية النافعة، مع ما سنح بالبال وأقبل على الخاطر أحسن إقبال، وعزرتها بالآيات البينات، والأحاديث الصحيحة، والدلائل البينات، وضمنتها الجم الغفير من أمثال الحكماء، وآداب البلغاء، وكلام الشعراء، وكل ما ترتاح إليه الأفهام، وتنزاح به عن الذهن الأوهام".
وإذا تجاوزنا عن هذه المقدمة ذات السجع المتكلف، وعرضنا لمباحث الكتاب وجدناها جديدة مفيدة خرجت بالنثر عن ذلك التقليد الموروث الذي قصره الأدباء على الرسائل الإخوانية، من تهنئة وتغزية ورجاء واستعطاف واعتذار، كما كان شأنه قبل هذه النهضة، بينما نراه هنا يعالج موضوعات حية مثل منابع الثورة وتحسين حال المجتمع، فتكلم عن الزراعة، والصناعة، والتجارة والآداب وتهذيب الأخلاق، والفضائل والدين، كلام رجل مثقف غزير الإطلاع، وقد تخلص في هذا

الصفحة 40