كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

الكتاب من السجع والجري وراء المحسنات، وكان اهتمامه بتوضيح المعاني أعظم من عنايته بتنسيق العبارة، ونرى هذا الكتاب سلاسة، وطواعية، وتدفقًا مما يدل على تطور أسلوبه المرسل خذ مثلًا قوله:
"وقد ذكر الحكماء أن لكل خلق طرفين: أحدهما الإفراط، وثانيهما التفريط، وهما مذمومان، فالبخل إفراط وهو مذموم، والتبذير تفريط في الإنفاق وهو مذموم أيضًا، والوسط ممدوح وهو العدل في الإنفاق، وهكذا كل فضيلة لها طرفان ووسط، والوسط عبارة عن الإنصاف في الفضيلة، وهو الممدوح منها، ولكن ربما يقع في الوهم فضيلة أحد الطرفين لعدم الوقوف على الحقيقة بترك معاشرة أرباب الفضائل، فلهذا ينبغي تعيين محل تعلم فيه الفضائل حتى لا تشتبه بأضدادها، وبيان ذلك أن الإنسان من جميع الحيوان لا يكتفي بنفسه في تكميل ذاته، ولا بد له من معاونة قوم كثيري العدد حتى تتم حياته طيبة، ويجري أمره على السداد، ولهذا قال الحكماء: إن الإنسان مدني بالطبع ... إلخ".
مثل هذه المباحث وهذا الأسلوب قد تميز فيما بعد، وصار القالب الذي تصب فيه الموضوعات الاجتماعية والسياسية، وإن ظل الأسلوب الأدبي له خصائصه من الاهتمام البعارة وحسن الصياغة، وانتقاء اللفظ، وتدفق العاطفة، وبعض ألوان الخيال، وضع رفاعة مثل هذه المقالات أساس النثر الاجتماعي والنثر السياسي، وسنتكلم عنهما فيما بعد إن شاء الله.
أما كتابه الثاني فقد ألفه في أخريات أيامه حين عزم أولو الأمر على فتح المجال أمام الفتاة للتعليم، فطلب من رفاعة أن يؤلف كتابا "في الآداب، والتربية لتعليم البنين، والبنات على السويَّة"، فألف كتابه "المرشد الأمين للبنات والبنين"، وفي هذا الكتاب مباحث ذات فائدة جليلة في التربية، والسلوك الإنساني، وعلاقة الرجل بالمرأة أختا وزوجًا وأما وحبيبة، وكان رفاعة في هذا الكتاب صريحًا صراحة لا نستطيع أن نجاريه فيها اليوم إذا عهد إلينا بتأليف كتاب مثل هذا للبنات، ولكنه كان متأثرًا ولا شك بثقافته الغربية، وبحرصه أن يعرف الفتيات الحق من شيخ

الصفحة 41