كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

الوقائع بتاريخ 18 من ديسمبر يقول في مستهلها "الاقتصاد هو فضيلة من فضائل الإنسان الجليلة، بل هو من أهمها، مدحته جميع الشرائع وبينت فوائده، وهو كغيره من الفضائل مركب من أمرين بذل وإمساك، أعني أن الاتقصاد هو التوسط في الإنفاق، بحيث لا يبسط صاحب المال يده كل البسط حتى لا يبقى فيها شيئًا، ولا يقبضها كل القبض حتى لا يخرج منها شيئًا، بل ينفق من ماله على حسب حاله، يقدم الأهم فالمهم فيدفع الضرورة، ويقيم البينة على قدر ما يناسب درجة غناه، وفقره ... إلخ".
ونراه في هذه المرحلة يعالج بعض العيوب الاجتماعية مثل المقال السابق الذي يبين فيه جهل الفلاح، واضطراره إلى الدين بالربا الفاحش، ثم مقال آخر بعنوان "المعارف"، يبين فيه فائدة العلم والقراءة، ومقال ثالث بعنوان "الرشوة"، وفيه يقول: "قد تقرر في عقول جهله العوام أن الرشوة هي السبب الوحيد للخلاص من أية جريمة يرتكبونها، فيقدم منهم على ما يخالف الأصول المتبعة، أو يخل بالأمن والسكينة، أو يهتك حرمات الحقوق، اتكالًا على ما يضمره في نفسه، من أن الرشوة كافية للنجاة من العقاب، أو الحصول على غرضه بأي وجه كان، وقد غلب على عقول العامة أن كل صاحب وظيفة ميرية، وغير ميرية لا يصح أن يقضي أمرًا في مصلحة لأحد إلا بالرشوة، ولذلك يرون أنه من الوجوب على من التمس إنجاز أي عمل يتعلق بمصلحته، أن يقدم إلى صاحب الوظيفة رشوة تبعثه على مباشرة ذلك العمل، غير ملتفت لما تطالبه به واجبات المصلحة التي انطبقت بذمته على أجر يتقاضاه في رأس كل شهر، ولذلك صار أمر الرشوة بينهم من قبل العوائد التي لا تشمئز منها طباعهم، ولا يستنكرها أحد منهم، بل كادت أن تكون من الوسائل المحمودة لنجاح المقاصد ودفع الفوائد.
إلخ"، وقد سلك فيها مسلكًا نفسيًا، وأخلاقيًا ودل على حصافة رأي وغزارة علم.
ونرى أنه قد انطلق على سجيته لا يجري وراء سجعه، ولا يتكلف البحث عن كلمة، وإنما يمعن في إيضاح فكرته ببساطة ويسر، وقد ظل يعالج مثل هذه

الصفحة 63