كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

وجمع محمد عبده حوله نخبة من الشباب المستنير الذين تتلمذوا عليه، وعلى أستاذه جمال الدين، وكانت قلوبهم تفيض حمية وغيره على بلادهم، وإصلاحها في شتى الوجوه منهم عبد الكريم سلمان، وسعد زغلول، وإبراهيم المويلحي، واللقاني، وأحمد عبد الغفار، وحسن الشمسي، ومحمد عبد القادر المازني، وسليم رحمي، وخليل إبراهيم وغيرهم، وقد شعر هؤلاء جميعًا وعلى رأسهم أستاذهم محمد عبده أن اللغة القومية مصدر عزة الوطن، ومجلى فخاره، وأن اللغة العربية تزخر بالكنوز التي خلفها السلف، وفي هذه الكنوز ما ينير العقول، ويبعث الهمم قوية ناهضة، ويحيى العزائم الميتة، وأنه لا بد لكي تنهض الأمة نهضة عظيمة من العناية باللغة، وتخليصها من كل شائبة، وهذا هو عبد الكريم سلمان يهيب بأبناء أمته أن يعملوا على تقوية هذه اللغة الكريمة بقوله: "قد سنحت لكم في هذه الأيام فرصة العمل، وناداكم الوطن بلسانه العربي الفصيح: بعزتي عليكم، وحقوقي لديكم، إلا ما نهضتم لتأييد لغتكم، وإعلاء شأنها، وارتفاع منارها، ليعود ذلك إليكم بالمنافع العامة، وإلى بلادكم بالتقدم والعمران".
ويحرر الشيخ محمد عبده مقالًا في الوقائع تحت عنوان "مشكلات الكتابة"، ويرى أن لغة الكتابة الديوانية صارت رموزًا، وأحاجي "مغلقة الألفاظ، غامضة
المعاني، مختلفة التراكيب، لا يقتدر المطالع على حل رموزها، ولا يتمكن من فك طلسماتها إلا بعد أن يجهد نفسه، ويمعن الفكرة، ويدقق النظر، ومع ذلك فلا يخلو الحال من الخطأ في فهم المقصود مما نواه الكاتب منهم".
أخذ هؤلاء الكتاب الذين التفوا حول محمد عبده يعالجون بحماسة كل مشكلات الوطن الاجتماعية، فلم يدعوا آفة من الآفات إلا تعرضوا لها بالنقد والعلاج، وبهذا خطت المقالة الاجتماعية على أيديهم خطوات فسيحة نحو الكمال، إذ تميزوا بالعاطفة الدافقة، والصراحة في التشخيص، والقوة في الأداء، والإخلاص في العلاج، مع غزارة الفكرة ووضوحها.

الصفحة 67