كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

مقام الإنسان، مستقلًا بوجوده، متمتعًا باستقلاله، فائزًا بحقوقه ناهضًا بواجباته، وتريدونه بمنزلة الحيوان، يساق للموت، فإن عجز فللسلخ، ويطلب أن يكون الوطني آمنًا في داره، مساويًا لجاره، يستغل زرعه، ويستدر ضرعه، وتلتمسون أن يكون غريبًا في آله، مصادرًا بماله، يطعم من يحرمه، ويؤمن من يروعه، ويحفظ من يضيعه":
فِإذا عطلت جريدة النهار لحملاتها القاسية على رياض ساق إلينا أديب هذا الخبر في أسلوب عال، مفصحًا عن شعوره إزاء هذا التعطيل، منوها بما أوتي من عزم وجلد، وثبات للشدائد، وفي ذلك يقول: "ولئن ساءنا أن جاءنا ذلك الإخطار بلوم، وعقاب أليم، لقد سرنا أن تكون الجرائد موضعًا للنظر، ومجالًا للنقد، ولم نر في القصاص شيئًا يستعين به اللائم، أو مصابًا يعتضد به الشامت، فإن التجارة تحسب حب الوطن دينا، والمدافعة عنه جهادًا، فإن عاشت فهي سعيدة، وإن ماتت فهي شهيدة، ولقد أتاها الله النعمتين، وأتاح لها الحسنيين، فعاشت به، وماتت عليه، وستبعث بعد أسبوعين، رافلة في ثوب الشهادة، مزينة بحلى السعادة، على الرغم من أنوف حاسديها، الذين أولوا كلامنا إلى ما لا نقصد، وسعوا فيها بما لم يخطر على قلوبنا، وحاولوا إطفاء نور الحق، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المبطلون".
وقد لا يروق هذا الأسلوب كتاب الصحافة اليوم، ولكن "أديب" كما ذكرنا كان يسلك دائمًا المسلك الخطابي الحماسي في كل ما يتناوله من موضوعات، ويضفي عليه من طلاوة أسلوبه، ما يحيله إلى قطعة أدبية يسجع، ويزاوج، وينتقي الكلمات ذات الجرس الموسيقي المناسب للموضوع، ولجارتها من الكلمات، مع عاطفة حارة دائمًا تسبغ على الكلام قوة وحيوية مع بعض ألوان من الخيال والأمثال.
وتراه وهو في باريس لا تنسيه الغربة مصر، بل يكتب في "القاهرة" معبرًا عن حبه لمصر، وعن ذكرياته بها، ولا بدع ففيها ر فع ذكره، وشهر أمره، وقدر

الصفحة 73