كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

الاهتمام بأدواء المجتمع، وشخص هذه الأدواء، ووصف الدواء الناجع ويكتب الثانية بأسلوب عامي يحشوه بكثير من الكلمنات الدارجة حتى يسهل فهمه، ويعم الانتفاع به، كان الطابع العام للمجلة هو الطابع الاجتماعي، ويصدرها بقوله مخاطبًا كل ناطق بالضاد: "أتقدم بين يديك بخدمة وطنية دعاني إليها حبي فيك، وخوفي عليك وما هي بالعظيمة، فتشكر ولا بالبليغة فتمدح هي صحيفة أدبية تهذيبية تتلو عليك حكمًا وآدابًا، ومواعظ، وفوائد ومضحكات، بعبارة سهلة، لا يحتقرها العالم ولا يحتاج منها الجاهل إلى تفسير، تصور لك الوقائع والحوادث في صور ترتاح إليها النفس وتميل، ويخبرك ظاهرها المستهجن بأن باطنها له معاني مألوفة، وينبهك نقابها الخلق بأن تحته جمالًا يعشق، وحسنا تذهب الأرواح في طلبه، هجوها تنكيت ومدحها تبكيت، ليست منمقة بمجاز واستعارات، ولا مزخرفة بتورية واستخدام، ولا مفتخرة برقة قلم محررها، وفخامة لفظه وبلاغة عبارته، ولا معربة عن غزارة علمه وتوقد ذكائه، ولكنها أحاديث تعودنا عليها ولغة ألفنا المسامرة بها"، ويختم النديم هذه المقدمة البليغة بقوله: "وسأتحفك بغرائب قومك، ومناقب أصلك، أقدمها إليها شذورًا مردفة بما نحن فيه من التنكيت، لتعذر المتهمين، وترحم المسكين، وتكون من الذين أعادوا مجدهم، وأحبوا أوطانهم ببقاء ذكرهم في الوجود من الخالدين.
وفي الحق إن النديم في هذه المجلة قد اصطنع أسلوبًا جديدًا دل على مرونة قلمه، ودقة فهمه، فلكل مقام، ولما كانت المجلة تعني بأدواء المجتمع وأوصابه، وذاك يتطلب توضيح المعنى وإيراد الحجة، وضرب المثل كان لزامًا عليه أن يتحلل نوعًا من الاحتفاء بالمحسنات، والزخارف في مقالاته التي كتبها للخاصة كهذا المقال الذي عنون له "بمجلس طبي لمصاب بالإفرنجي"، وهو قصة رمزية لفتى يحبه أهله كل الحب، ولكن تسلل إليه محتال خدعهم وخدعه، وما زال به حتى أصيب بالداء الإفرنجي، فنحل جسمه وذوى شبابه، وأخذوا يلتمسون له العلاج حتى يتم له الشفاء"، ويعني ما أصيبت به مصر على يد إسماعيل وإسرافه، وتدخل الأجانب في شتى شئونها، والمراقبة الثنائية، وصندوق الدين،

الصفحة 88