كتاب نشأة النثر الحديث وتطوره

لا يباري., واقترح عليه عرابي أن يسمي جريدته بالطائف تيمنًا بطائف الحجاز، ولتطوف البلاد كما جابتها جوائب الشدياق، فلم يسعه إلا تلبية الرغبة، وصارت "الطائف" لسان حال الثورة.
ولكن النديم في الطائف كان يهرج كثيرًا، ويموه الحقائق على الناس، ويحيل الهزائم انتصارًا، ظنًا منه بأنه يقوي العزائم ويبعث الأمل في النفوس، وهو في الطائف يسلك الأسلوب الخطابي في مقدمات مقالاته، ويتكئ كثيرًا على القرآن الكريم، لعلمه بقوة تأثيره في نفوس العامة، بل كان يتخذ أحيانًا الآية القرآنية عنوانًا للمقال كذلك الذي عنونه، "وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها"، وفيها يقول: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِين} ، ذلكم هم العادون المفترون، بغاث الإنجليز، الذين استنسروا في الوجود بأوهام وخيالات، واستضعفونا فجاءوها بالخيل والرجل، وقد زلزلت أرضهم، فأخرجت أثقالها، وثبتت بأقدامنا أرضنا فكنا أوتادها، فتخيلوا أنهم يسيرونها في البر، وما دروا أن الأسمال يقتلها التراب، وتنتنها الشمس، وهم هي، إذ لا تقترب الشاطئ خوفًا من الصياد، وبين أسود تتبع فريستها، يعلم ذلك من شاهد واقعة يوم الأحد 5 شوال سنة 99 ... إلخ".
ويمضي في وصف الموقعة، ولا يتحرج عن استعمال كثير من المصطلحات الحربية الدخيلة من تركية وأجنبية، في أسلوب يقرب من العامية، وإن كانت خطبه التي قالها إبان الثورة تدل على موهبة فذة، وقدرة نادرة، وعلى أن النديم وحيد عصره في هذا الميدان، كان يخطب في اليوم عشرات المرات لا يكرر نفسه، ولا يمل منه سامعوه في أسلوب ساحر وبيان رفيع، وكانت خطبه كلها غير معدة من قبل، وإنما كان الكلام يتفجر منه كأنما يصدر عن ينبوع بئر، ومعين لا يغيض.
بينما نراه في "الأستاذ"، وهي الصحيفة التي أصدرها بعد عودته من المنفي يشغل بالسياسة وبالقضايا العامة، وبالمشكلات الاجتماعية، وقد تجنب فيها السجع إلا نادرًا عن غير قصد، أو تكلف، وآثر الأسلوب المرسل السهل، حتى الازدواج والترادف الصوتي لم يعد لهما ذلك الاحتفاء الذي لاحظناه في بعض

الصفحة 90