كتاب معلمو المسجد النبوي الشريف

كان الطلاب يفدون إليه من كل مكان وقد حكى الإمام ورش المصري (1) عن تحربته في
حلقة الإمام نافع في المسجد النبوي فقال خرجت من مصر لأقرأ على نافع فلما وصلت
المدينة صرت إلى مجلس نافع فإذا هو لا تطاق القراءة عليه من كثرتهم وإنما يقرى ثلاثين
فجلست خلف الحلقة وقلت لإنسان: من أكبر الناس عند نافع؟ فقال لي كبير الجعفريين
فقلت: فكيف به؟ فقال: أنا أجيء معك إلى منزله وجئنا إلى منزله فخرج شيخ فقلت:
أنا من مصر جئت لأقرأ على نافع فلم أصل إليه وأخبرت أنك من أصدق الناس له، وأنا
أريد أن تكون الوسيلة إليه فقال نعم وكرامة، وأخذ طيلسانه ومضى معنا إلى نافع فقال
له هذا وسيلتي إليك جاء من مصر ليس معه تجارة ولا جاء لحج إنما جاء للقراءة خاصة،
فقال ترى ما ألقى من أبناء المهاجرين والأنصار فقالط صديقه تحتال له، فقال لي نافع
أيمكنك أن تبيت في المسجد قلت نعم، فبت في المسجد فلما أن كان الفجر جاء نافع
فقال: ما فعل الغريب، فقلت ها أنا رحمك الله قال أنت أولى بالقراءة، قال وكنت مع
ذلك حسن الصوت مدادا به، فاستفتحت فملأ صوتي مسجد رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقرأت ثلاثين اية فأشار فسكت، فقام إليه شاب من الحلقة فقال يا معلم أعزك
الله نحن معك وهذا رجل غريب وإنما رحل للقراءة عليك وقد جعلت له عشرا،
واقتصر على عشرين، فقال نعم وكرامة فقرأت عشرا، فقام فتى آخر فقال كقول
صاحبه، فقرأت عشرا وقعدت، حتى لم يبق أحد ممن له قراءة فقال لي اقرأ فأقرأني
خمسين اية، فما زلت أقرأ عليه خمسين في خمسين حتى قرأت عليه ختمات قبل أن أخرج
من المدينة ". هذه الحكاية صورة لازدحام حلق العلم وتحمل العناء في سبيله، وقد كانت
__________
(1) المسجد ودوره في الحضارة الإسلامية، موقع قصة الإسلام، إشراف د. راغب السرجاني.

الصفحة 25