كتاب شرح المنظومة البيقونية ليوسف جودة

الحديثُ الْمُسَلْسَلُ:
ثم تكلم النَّاظمُ عَن مَبْحَثٍ آخَر مِن أَنْواعِ الحديث وَهُوَ مِن مَبَاحِثِ الإِسْنَادِ، فقال:
10 - مُسَلْسَلٌ قُلْ مَا عَلَى وَصْفٍ أَتَى ... مِثْلُ أَمَا وَاللهِ أنْبأنِي الْفَتَى
11 - كذَاكَ قَدْ حَدَّثَنِيهِ قَائما ... أَوْ بَعْدَ أَنْ حَدَّثَنِي تَبَسَّمَا

قَولُهُ: مُسَلْسَلٌ: اسْمُ مَفْعُول مِن سَلْسَلَ يُسَلْسِل (¬1)، وَهُوَ لُغَة التَّتَابُع والتَّشَابُه، وفِي الاصطلاح قِسْمَانِ: القسم الأول: حَدِيث اتّفقت رِجَاله على وصف الرُّوَاة كَمَا أَشَارَ النَّاظمُ فِي قَولِهِ: قُلْ مَا عَلَى وَصْفٍ أَتَى: أي إذا أتى الحديث بتكرير كُلّ راوٍ لِصِفَةٍ مُعَينَةٍ في جميع طَبَقَاتِ السَّندِ، والصَّفةُ قَدْ تَكُون قَولِية أَوْ فِعْلِيَّة.
فأما القولية: مِثْلُ أَمَا وَاللهِ أنْبأنِي الْفَتَى: أَمَا بِمَعْنَى أَلا الاسْتِفْتَاحِيَّة، ثم ضرب النَّاظِمُ مثلاً للحديث الْمُسَلْسَل بقوله هذا: "أَمَا وَاللهِ أنْبأنِي الْفَتَى"، بِمَعنَى أنَّ الرَّواي للحديث يَقُولُ عَند التَّحْدِيث بهذه الجملة وهَكَذَا يَقُول الأخر مثل ذَلِك حتى يكون هَذَا التَّكْرَار فِي جميع طَبَقاتِ السَّنَد.
ومِثَاله: مَا أَخْرَجَه النَّسائي فِي سننه فقال: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حَيْوَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ الصُّنَابِحِيّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنِّي لأُحِبُّكَ يَا مُعَاذُ»، فَقُلْتُ: وَأَنَا أُحِبُّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَلا تَدَعْ أَنْ تَقُولَ فِي كُلِّ صَلاةٍ: رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ
¬__________
(¬1) الصحاح تاج اللغة، إسماعيل بن حماد الجوهري (المتوفى: 393 هـ)، طبعة دار العلم للملايين، بيروت سنة 1407 هـ‍ (ص 51).

الصفحة 30