كتاب شرح المنظومة البيقونية ليوسف جودة

وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» ". (¬1)، فإنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رضي الله عنه -، «إِنِّي لأُحِبُّكَ يَا مُعَاذُ»، وَمُعَاذ قَالَهَا للصُّنَابَحي، والصُّنَابَحي قَالَهَا لأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، وبهذا القَول صَار الحديثُ مُسَلْسَلاً بلفظة: "إِنِّي لأُحِبُّكَ".
ثم قَالَ النَّاظِمُ كذَاكَ: أي وأَمَّا الصِّفةُ الفِعْلِيَّة فمثل: قَدْ حَدَّثَنِيهِ قَائما: أي يذكر الرَّاوي أَنَّ شَيْخَهُ فِي هذا الحديث حَدَّثَهُ وهو قائم ثمَّ يفعل الرَّاوي الآخر مثل ذَلِك، ثم ضرب النَّاظم مِثَالاً آخر فقال: أَوْ بَعْدَ أَنْ حَدَّثَنِي تَبَسَّمَا، فَإِنَّ كُلاً مِن الْقِيامِ والتَّبَسُمِ وَصْف فِعْلِي. وَالْقسم الثَّانِي: مَا اتّفقت رِجَاله على وصف للتَّحَمُّلِ كَسَمِعْتُ فُلانًا، أَو عَلَى أمْر مُتَعَلق بِزَمن الرِّوَايَة أَو مَكَانهَا أَو نَحْو ذَلِك.

فَائِدةٌ مُهِمَةٌ: الحديثُ الْمُسَلْسَلُ لا يفيد الاتصال إلا إذا كَانَ وَصْف التَّحَمل بالسَّمَاعِ، ومِن فَوَائدِ الْمُسَلْسَلِ اشتماله على مزِيد الضَّبْط من الروَاة، وأفضل مُسَلْسَل مَا دَلّ على اتِّصَال السماع وَعدم التَّدْلِيس، وغالب الأحاديث الْمُسَلْسَلة ضعيفة ولم يثبت منها إلا القَلِيلُ، وقَالَ الْحَافِظ ابن حجر: أصح مُسَلْسَل يُرْوَى فِي الدُّنْيَا الْمُسَلْسَل بِقِرَاءَة سُورَة الصَّفّ، وقد يكون المتن صَحِيحًا والسِّلْسِلَة ضعيفة، فهناك أحاديث مُسَلْسَلة فِي مسلم لَكِنَّ مُسْلِمًا لم يذكر أَنَّه مُسَلْسَل كحديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَقَالَ: «خَلَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الأَحَدِ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ ... ». (¬2)، وفي غَير مُسْلِم جَعَلُوه من الأحاديث الْمُسَلْسَلة.
¬__________
(¬1) السنن الصغرى، للنَّسائي (ت: 303 هـ)، كتاب الصلاة، بَاب تَخْيِيرِ الدُّعَاءِ بَعْدَ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، طبعة مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب 1406 هـ، (3/ 53)، برقم (1303).
(¬2) الجامع الصحيح، لمسلم، كتاب صِفَةِ الْقِيَامَةِ، بَابُ ابْتِدَاءِ الْخَلْقِ وَخَلْقِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، (4/ 2149)، برقم (2789).

الصفحة 31