كتاب الطب النبوي لابن طولون

ذكر الأدوية المركبة
قال ابن القيم في الهدى: كان من هديه صلى الله عليه وسلم فعل التداوي في نفسه والأمر به لمن أصابه مرضٌ من أهله وأصحابه. لكن لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم ولا هدي أصحابه رضي الله تعالى عنهم فعل هذه الأدوية المركبة التي تسمى قرابادين, بل كان غالباً أدويتهم بالمفردات وربما أضافوا إلى المفرد ما يعاونه ويكسر سورته, وهذا غالب طب الأمم على اختلاف أجناسها: من العرب والترك وأهل البوادي قاطبة. وإنما اعتنى بالمركبات الروم واليونان.
وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن التداوي بالغذاء لا يعدل إلى الدواء ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل إلى المركب, وقالوا: كل داء, قدر على دفعه بالأغذية والحمية, لا يحاول دفعه بالأدوية: ولا ينبغي للطبيب, أن يولعه بسقي الأدوية, فإن الدواء إذا لم يجد في البدن داء يحلله, أو وجد دواء [لا] يوافقه, أو وجد ما يوافقه فزادات كميته عليه أو كيفيته: تشبث بالصحة وعبث بها.
وأرباب التجارب من الأطباء طبهم بالمفردات غالباً وهي أحد فرق الطب الثلاثة.
والتحقيق في ذلك: الأدوية من جنس الأغذية, فالقوم الذين غالب أغذيتهم المفردات أمراضهم قليلة جداً, وطبهم بالمفردات.
وأهل المدن الذي غلبت عليهم الأغذية المركبة يحتاجون إلى الأدوية المركبة, وأمراض أهل البوادي والصحارى مفردة فيكفي مداواته بالمفردة, فهذا برهان بحسب الصناعة الطبية.
ونحن نقول إن هنا أمراً آخر نسبة أمر الأطباء إليه كنسبة طب الطرقية, والعجايز إلى طبهم, وقد اعترف حذاقهم وأئمتهم بأنما عندهم من العلم بالطب إما قياس, وإما تجربة وإما إلهام, ومنام, وحدس صائب, وإما مأخوذ من الحيوانات كما نشاهد السنانير إذا أكلت ذوات السموم فتلغ في الزيت تتداوى به.

الصفحة 240