كتاب الطب النبوي لابن طولون

وأين هذه وأمثاله من الوحي الذي يوحيه الله إلى رسوله [بما ينفعه ويضره] فنسبة ما عند الأطباء من الطب إلى هذا الوحي: كنسبة ما عندهم من العلوم إلى ما جاءت به الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وقال الذهبي: قال الأطباء: إنا لا نؤثر على الدواء المفرد مركباً، إن وجدناه كافياً لكنا قد نضطر إلى التركيب.
إما لإصلاح كفية الدواء المفرد أو كراهته حتى يطبب أو لتقوية قوته كما نخلط الزنجبيل الثريد، أو لإضعاف قوته كإخلاط الشمع في مرهم الزنجار، أو لدفع ضرره كإخلاط الكثيراء بالمحمودة، أو لحفظ قوة الدواء زماناً كخلط الأفيون بالمعاجين الكبار، أو لأن الدواء سريع النفوذ فيخلط به ما يثبته، أو لأنه بطيء النفوذ فيخلط به ما يسرع نفوذه، أو لأن المرض لمركب فيركب له الدواء، أو لشدة المرض وقوته ولم نجد دواء واحداً يقاومه، أو لاختلاف مزاج المريض فلم نجد دواء واحداً يفعل أفعالاً متضادة فيركب.
أو لبعد العضو الألم من المعدة فلا يصل إليه الدواء إلا وقد ضعفت قوته فيركب معه ما يوصله بسرعة كالزعفران مع الكافر والدارصيني مع الشادنج، أو لشرف العضو فيخلط بدوائه المحلل ما يحفظ قوته عليه من الأدوية القابضة العطرة أو لأن الدواء يوجد فيه مضرة لبعض الأعضاء فيخلط به ما يزيل ضرره.
إذا علم ذلك فاعلم أن كل مخلوق فيه جزء نافع وجزء ضار، فإن غلب الجزء النافع كان ذلك المخلوق محموداً نافعاً، وبالضد.
وكانت الحكمة في ذلك وليمتاز سبحانه وتعالى بصفة الكمال المطلق الذي لا يشاركه فيه غيره من خلقه، ولما اقتضت الحكمة إصلاح هذه المفردات بعضها ببعض كذلك اقتضت إصلاح نوع الإنسان بعضه ببعض فأرسل الله إليهم الرسل مبشرين ومنذرين لإصلاح مفاسدهم وتكميل ناقصهم.

الصفحة 241