كتاب الطب النبوي لابن طولون

قال الموفق في كتاب الأربعين: وقد رأيت جماعة من أرباب المعطلة والترف محفوظ الصحة فبحثت عن سبب ذلك فألفيتهم كثيري الصلوة والتهجد إلى أن قال: وما أنفع السجود لصاحب النزلة والزكام، وما أشد إعانة السجود على فتح سدة المنخرين وما أقوى معونة السجود على نقص الأخبثين وحدر الطعام وتحريك الفضول المحتقنة وإخراجها إذ عنده تنحصر أوعية الغذاء بازدحامها ويساقط بعضها على بعض، وكثيراً ما تسر الصلوة النفس وتمحق الهمَّ وهي تطفئ نار الغضب وتفيد التواضع الخلق وترقق القلب وتجب العفو وتكره قبح الانتقام، وكثيراً ما يحضر فيها الرأي والتدبير والمصيب والجواب السديد ويذكر العبد ما نسي في مصادر أموره وموارده ومصالح دنياه وأخراه ومحاسبة النفس، لا سيما إن طال الانتصاب وكان ذلك ليلاً عندما تهجع العيون وتهدأ الأصوات وتتضام قوى العالم الأسفل وتنزوي فواشيه وتنتشر قوى العالم الروحاني وتنسط غواشيه.
ولذلك أشار عليه الصلاة السلام بقوله: أرحنا يا بلال بالصلوة وبقوله: جعلت قرة عيني في الصلوة. فلما يحصل من سرور النفس وابتهاجاً جعلها الله قرة عينه صلى الله عليه وسلم ، ولما فيها من فضائل الدنيا والآخرة – انتهى.
وقد ذكر الذهبي عقيب ذلك صفة معجون يصلح للقلب ويدفع الوسواس، وهو أكل الحلال وملازمة الورع، وترك ركوب الرخص بالتأويلات، وحفظ الجوارح الظاهرة وحراسة الجوارح الباطنة، وسياسة النفس بالعلم والعمل: وصيانة السر بالمراعاة والابتهال إلى الله تعالى أن يعيذك من شر نفسك وهواك وشيطانك.
وعن بلال رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم ومنهاة عن الإثم، قربة إلى الله، وتكفير للسيئات ومطردة للداء عن الجسد – رواه الترمذي.

الصفحة 315