كتاب الطب النبوي لابن طولون

تحريمه بعد اعتقادي بأنها [مكروهة] وغالب السماع من الباطل لا من الحق في شيء ولكن الباطل منه مباح ومنه مكروه ومنه محرم.
فتدبر هؤلاء ولا تبادر إلى تحريم ما وسع الله على عباده وعفا فيه عنهم ومن الصور السماع التي يكون فيها عبادة ليلة العرس لمن يحتسبه, وفي يوم العيد لمن يتخذه ناسياً نبيه صلى الله عليه وسلم , وقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله} يعني صلوتكم وعبادتكم فمن ألهاه الغنا عن عبادة الله تعالى وعن الصلاة فهو من الخاسرين, وقد خاطب سبحانه وتعالى المؤمنين بقوله: {وإذا رأوا تجارة أو لهو انفضوا إليها وتركوك قائماً} فما عنفهم عز وجل على التجارة المباحة واللهو الذي لم يحرمه علينا إلا إذا تركوا الجمعة والجماعة والصلاة المفروضة وسكت عما ذلك فهو مما عفى عنه.
وقد كان صلى الله عليه وسلم صاحب الحنفية السمحة يبسم ويضحك وربما مزح وجارى زوجته وأركب ابنا ابنته الحسن والحسين على ظهره.
وقال: نعم الجمل جملكما ويركب الفرس عريانا, ودخل يوم الفتح على ناقة وهو يرفع عقيرته بأبي وأمي, ويحسن صوته بقراءة سورة الفتح ويقول: ((أ أ أ أ))
ويقول: يا عامر أسمعنا من هنهاتك ويتفرج على لعب الحبشة وزفنهم وهو وزوجته إلى غير ذلك, وأين القحالة والكلاحة والقطوبة من شمائله الكاملة؟ وهو محب للنساء اللاتي هن من زينة الدنيا, والطيب والثياب النقية والجميلة والحلو, والعسل, واللحم, والصوت الطيب, لا سيما بأصدق الكلام وأفصحه وأطيبه.
وكان صلى الله عليه وسلم يحب الطيبات ولا يكثر منها إذ الإكثار من المباحات يضيع الأوقات عن فعل القرب والطاعات, فإنه كان عليه أفضل الصلاة والسلام مع وصفه بما ذكرنا صواماً قواماً بكاء من عظمة الله تعالى أواباً منيباً وقوراً, إليه انتهى العلم والحلم والشجاعة, وفيه جمعت المحاسن والأخلاق الحميدة المرضية, وبمجموع ما ذكرنا وبما مثاله صار أكمل الخلق كلهم صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وعلى الملائكة والنبيين, منتهى علمك يا رب العالمين - انتهى.

الصفحة 328