الثاني: وذهب فريق آخر إلى وجوب تقدّمها على الطهارة، قالوا: "لأنها شرط لها، فيعتبر وجودها في جميعها، فإن وجد شيء من واجبات الطهارة قبل النية لم يعتدّ به" (¬1)، "ويلزم في مقارنة النيّة للعمل أن يكون أول العمل خاليا من نية" (¬2).
وهؤلاء الموجبون لتقدم النية انقسموا إلى قسمين:
أ- قسم أجاز تقدّمها على أول الطهارة بزمن يسير، وهم الحنابلة، يقول ابن قدامة: "ويجوز تقديم النيّة على الطهارة بالزمن اليسير كقولنا في الصلاة، وإن طال الفصل لم يجزه ذلك" (¬3).
ويقول في الإنصاف: "يجب تقديم النية على أول واجبات الطهارة، وأول واجباتها المضمضة والتسمية، ويجوز تقديمها بزمن يسير بلا نزاع، ولا يجوز بزمن طويل على الصحيح من المذهب" (¬4).
وذهب بعض العلماء منهم الآمدي إلى أنه يجوز التقديم بزمن طويل ما لم يرفضها، ومن الذين جوّزوا تقديم النية الأحناف.
يقول ابن عابدين (¬5): "زمن النيّة أول العبادات، ولو حكما، كما لو نوى الصلاة في بيتة، ثم حضر المسجد، وافتتح الصلاة بتلك النية"، ويقول في وقت نية الوضوء: "وقت نيّة الوضوء عند ابتداء الوضوء، حتى قبل الاستنجاء، لأن الاستنجاء من سنن الوضوء" (¬6).
ب - وذهب أبو محمد ابن حزم إلى أنَّ "النية لا تجزىء في الوضوء، ولا في غيره
¬__________
(¬1) ابن قدامة في المغني (1/ 112).
(¬2) ابن حزم في المحلى (1/ 77، 4/ 231).
(¬3) المغني لابن قدامة (1/ 112).
(¬4) الإنصاف للمرداوي (1/ 150).
(¬5) هو محمد أمين بن عمر بن عابدين الدمشقي، فقيه الديار الشامية، وإمام الحنفية في عصره، مولده ووفاته في دمشق (1198 - 1252 هـ)، له (ردّ المحتار على الدّر المختار)، (نسمات الأسحار على شرح المنار). ترجمته في (الأعلام 6/ 267).
(¬6) حاشية ابن عابدين (1/ 80).