كتاب مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين

وقال بهذا القول غير مالك عبد الله بن عمر، وزفر من الأحناف، وداود الظاهري، وتابعه ابن حزم، وبه قال المزني (¬1) من الشافعية، ونقل ابن المنذر عن مالك أنه استثنى من يسرد الصوم، فصحح نيّته من النهار (¬2)، وحجة هؤلاء قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل".
وذهب جماهير العلماء إلى أنَّ صوم النفل يصح بنية من النهار، وبذلك قال علي بن أبي طالب (¬3)، وابن مسعود وحذيفة بن اليمان، وطلحة، وابن عباس، وأبو حنيفة، وأحمد، والشافعي، وسعيد بن المسيب (¬4)، وسعيد بن جبير، والنخعي، وآخرون (¬5). وقال ابن حزم: "قال بهذا جمهور السلف" (¬6).
واحتج هؤلاء بحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، فقال: "هل عندكم شيء؟ " قلنا: لا. قال: "فإنّي إذن صائم" (¬7) وفي رواية قال: "إذن أصوم" (¬8).
وروى البيهقي والشافعي بالإسناد الصحيح عن حذيفة أنه بدا له الصوم بعد ما زالت الشمس (¬9).
¬__________
(¬1) هو إسماعيل بن يحيى المزني صاحب الإمام الشافعي من أهل مصر، وكان زاهدا عالما قوي الحجة، من كتبه (الجامع الكبير)، و (الجامع الصغير)، نسبته إلى مزينة من مضر. ولد سنة (175 هـ)، وتوفي سنة (264 هـ).
راجع: (وفيات الأعيان 1/ 217)، (الأعلام (1/ 327).
(¬2) المجموع (6/ 339).
(¬3) هو علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، وزوج ابنته فاطمة، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ورابع الخلفاء الراشدين، ومن أكابر الخطباء والعلماء بالقضاء، توفي شهيدا سنة (40 هـ).
راجع: (خلاصة تهذيب الكمال 2/ 250)، (الكاشف 2/ 287)، (طبقات الحفاظ ص 4).
(¬4) هو سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي القرشي، من كبار التابعين، وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة، ولد سنة (13 هـ)، وتوفي سنة (94 هـ).
راجع: (خلاصة تذهيب الكمال 1/ 390)، (طبقات الحفاظ ص 17)، (الكاشف 1/ 372).
(¬5) المجموع (6/ 399)، وانظر المغني (3/ 196)، والمحلى (6/ 172).
(¬6) المحلى (6/ 172 - 173).
(¬7) رواه مسلم (مشكاة المصابيح 1/ 643).
(¬8) رواه البيهقي.
(¬9) المجموع (6/ 339).

الصفحة 189