كتاب مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين

للنية معنى شرعيا غير المعنى اللغوي -عندما فسّروا لفظ "النية" التي وردت في الأحاديث- لم يستطيعوا أن يحملوها على المعني الشرعي الذي افترضوه، بل حملوها على المعنى اللغوي، يقول القاضي البيضاوي عند تفسيره لحديث "إنَّما الأعمال بالنيّات" (¬1): "والنيَّة في الحديث محمولة على المعنى اللغوي، ليحسن تطبيقه على ما بعده" (¬2).
وهذا متحتم في كل الأحاديث التي ورد فيها لفظ النية (¬3)، كحديث "إنَّما يبعث المقتولون على نيّاتهم" (¬4).
وحديث: "ربَّ قتيل بين الصفين الله أعلم بنيَّته" (¬5).
وحديث: "من غزا ولا ينوي إلاَّ عقالا فله نيته" (¬6).
ولا يمكن حمل هذه الأحاديث على المعنى الشرعي الذي فرضوه، بل إنَّ هؤلاء أنفسهم حملوها على المعنى اللغوي، فالصواب -إن شاء الله تعالى- أنَّ الشارع استعمل "النيَّة" في معناها اللغوي، ولم يضع لها معنى اصطلاحيا خاصا.
وقد نص على هذا التحقيق الذي قررناه هنا أحمد الحسيني (¬7) من المتأخرين قال: "قول الفقهاء في تعريف النية: هي القصد، وشرعا قصد الشيء مقترنا بفعله، ليس المراد منه أنَّ هذا المعنى "القصد" خاص باللغة، وليس مستعملا في
¬__________
(¬1) رواه البخاري ومسلم وغيرهما وانظر تخريجه في ملحق الكتاب. ص 519
(¬2) ذكر قبل قليل من خرج هذا القول، باستيعاب ص 32.
(¬3) إعمال الفكر والروايات (ص 4)، وقد انتصر المؤلف لهذا القول وأطال الكلام عليه.
(¬4) صحيح البخاري (كتاب الصوم 6)، في صحيح مسلم (فتن 8)، الترمذي (فتن 10)، ابن ماجه (فتن 30، زهد 26).
(¬5) مسند أحمد (1/ 397).
(¬6) رواه أحمد في مسنده، (5/ 135، 320، 329)، والدارمي (جهاد 23).
(¬7) هو أحمد بن أحمد بن يوسف الحسيني، محام من فقهاء الشافعية ولد وتوفي بالقاهرة (1271 - 1332 هـ)، له كتاب (مرشد الأنام)، شرح فيه قسم العبادات من كتاب الأم في (24 مجلدا)، وله كتب كثيرة غيره، منها: (نهاية الإحكام في بيان ما للنية من أحكام). (الأعلام 1/ 90)، معجم المؤلفين 1/ 157).

الصفحة 34